الديمقراطية الحديثة على الطريقة البغدادية

عندما تم احتلال العراق ،أعلنت الولايات المتحدة أن الدافع الأساسي لهذا الاحتلال هو رغبتها في القضاء على منابع الإرهاب وإقامة دولة ديمقراطية تكون نموذجا للشرق الأوسط في احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية
، كان هذا التصريح عام 2003 والآن وبعد مرور ما يقارب من ثماني سنوات لنرى صحة هذه الديمقراطية المزعومة :
القضاء على الإرهاب:تمكنت قوات الاحتلال والسياسات الخاطئة من تحويل العراق بأكمله إلى مركز جذب لكل إرهابي العالم فاستوطنه وأصبح الإرهاب المذهبي هو السائد ،فالقاعدة وهي الممثل للفكر الوهابي متواجدة وتسرح وتمرح كما أرادت في العراق ،والميليشيات المسلحة الشيعية التابعة لإيران تقتل من أرادت وفي وضح النهار ولا تحاسب ،والتفجيرات اليومية أصبحت عادة يصحو أهل بغداد وينامون عليها .
الحريات واحترام حقوق الإنسان :علمونا على مقاعد الدراسة أن الحريات تعني الكثير وهي جوهر الديمقراطية ،وهذه الحريات تتنافى بالتأكيد مع قتل وتهجير المسيحيين وغيرهم من الجماعات الدينية الأخرى وعجز حكومي وعجز مماثل من قوات الاحتلال عن حماية حقوقهم وحياتهم وكل ذلك مقبول لدي حكام بغداد الجدد والإدارة الأمريكية وله تبريراته .
هذا هو ماحدث في بغداد والعراق منذ الغزو الأمريكي للعراق وحتى الآن وقبل الناس وصبروا لعل الأيام تحمل لهم الخير وتتغير الأحوال ،ولكن ما يحدث في العراق منذ الانتخابات الأخيرة يقول الكثير.
بعد الانتخابات الأخيرة وهناك ميل متزايد من الحكومة إلى تكميم الأفواه وقمع الرأي المعارض وكأنها تعاقب المواطنين على نتيجة اختياراتهم الانتخابية ،كانت العقوبة الأولى من نصيب قناة البغدادية وتم اختراع حجة واهية وقفلت القناة ولتحيى حرية الإعلام التي يدعون أنها توفرت في العراق وهي أهم مبادئ الديمقراطية
تلي ذلك مجموعة من القرارات العجيبة وأهمها في رأيي غلق اتحاد الأدباء والمطالبة بإلغاء مهرجان بابل وإلغاء تدريس مادة الموسيقى والمسرح ورفع التماثيل من مدخل معهد الفنون الجميلة ببغداد ،هذه القرارات تولد في النفس تساؤلات عديدة :
هل بدأت الأحزاب الدينية بتحويل العراق إلى نسخة مصغرة من كابول وطهران والرياض ؟ هل سنشهد خنقا أكبر للحريات وكله باسم الدين ومنع الفجور والرذيلة وعن أي رذيلة يتكلمون؟هل هناك رذيلة أكبر مما يحدث في العراق الآن من قتل ونهب وسرقة والتعدي على الحريات ؟ ألا يعلمون أن الشعب لا يحتاج إلى الخمور كي يسكر فأنهار الدم المراق في بغداد قد أسكرته حتى الثمالة
أين الولايات المتحدة التي دمرت العراق باسم الديمقراطية مما يجري الآن على أرضه ؟ألا تعلم سلطات الاحتلال أن أول مبادئ الديمقراطية هي الحريات ،الحرية في التفكير والاعتقاد والتعبير عن الرأي ؟هل ما يحدث الآن في بغداد والعراق هو ديمقراطية تحترم الرأي والرأي المخالف ؟
حقا أحاول أن استوعب ما يحدث ولكن الصورة بحق مفزعه ففوز المالكي بمنصب رئاسة الوزراء تلاه مجموعة من الإجراءات التي تجعل المرء يعتقد أن الوقت جاء لتحويل العراق إلى جمهورية إسلامية على الطراز الإيراني وهذا هو هدف إيران الذي سعت جاهدة منذ عام 2003 إلى تنفيذه ،وبطرق متعددة
هل هذه هي الديمقراطية أم أنها ديمقراطية على طريقة ملالي إيران ،وشيوخ الوهابية ؟أسئلة حائرة حقا ولكن إجابتها مروعه فالحرية التي تكمم اليوم دفع ثمنها غاليا أبناء الشعب العراقي ،هم من يعانون منذ 2003 كل أنواع العذاب ،قتل وانعدام الأمان ؟عدم وجود وظائف؟نقص حاد في الخدمات والبنية التحتية وانقطاع دائم للكهرباء حتى أصبحت الكهرباء أحد عجائب الدنيا السبع في العراق ،كل ذلك والشعب صابر ويمني النفس بيوم تنزاح تلك الغمة عنهم ويعيشون حياة طبيعية كملايين البشر في كل أقطار العالم ،ولكن الحكومة تأبى ذلك بل ويغريها صمت الشعب على أن تتجبر أكثر وأكثر وكأنها تقول للمواطنين هل تودون المزيد تفضلوا هذا هو ثمن صبركم وتحملكم وجلدكم سأعطيكم مآسي أكبر ونكبات أقسى وعليكم أن تتحملوا
هذه هي بغداد اليوم في طريقها أن تصبح كابول جديدة أو طهران أخرى فحكامها قرروا أن يجردوها من ملامحها المألوفة ويحيلوها إلى بلد تسكنه الغربان السوداء بحجة الدين وتعاليمه وهي الحجة التي تشهر في كابول وإيران والرياض لكل معارض للحكم أو ناقد لما يجري .
يبدو أن نتائج الانتخابات البرلمانية قد لفتت انتباه البعض في بغداد أن الحرية تعني زوال مناصبهم ولذلك قرروا الاحتفاظ بتلك المناصب بقمع آي مظهر تنويري في العراق وبدؤا بالثقافة والإعلام وربما سيستتبع ذلك هدم كل التماثيل والآثار العراقية التي تزخر بها ارض العراق ،وبهذا يحكم الخناق حول العراق ويجرد من هويته ويتحول إلى صورة باهته من طهران وترضى ايران عن حكام العراق فيبقوا في مناصبهم وليذهب الشعب إلي الجحيم .

 

بقلم: سهام فوزي