عن «البغدادية» ثانية وثالثة

اعترف انني كتبت الكثير عن “البغدادية” في السراء والضراء, مع اني اكاد أحل ضيفا على فضائيات اخرى اكثر منها بكثير. غير أن للمسألة بعدآ آخر لايتصل بمدى القرب أو البعد قدر ما يتصل بالحقيقة التي هي أعز من افلاطون كما يقول ارسطو . البغدادية بالنسبة لي مشروع وطني قبل ان يكون ,هذا المشروع, اعلاميا. وكل ما تعرضت له وما قد تتعرض له في المستقبل من محاولات القسر والتعسف التي وصلت حد الاغلاق انما يعود ليس لطبيعة ومضمون خطابها الاعلامي بل الوطني بالدرجة الأولى. وبقدر ما يبدو هذا الامر في غاية الاهمية الا انه من جانب اخر يمثل تحديا مستمرا للقناة. واذا كانت مساطر هيئات الاعلام والاتصال او الهيئة السياسية او القضائية تستند في الفحص والملاحقة او التقريب او التبعيد الى ما تعتبره ثوابت او خطوطا حمراء تكاد تكون معروفة , فان الية اشتغال البغدادية وصلتها بالناس تكاد تختلف كثيرا عن مثل هذه المحددات او الضوابط.
السؤال الذي يبدو واجب الطرح هنا هو .. ماالذي يميز البغدادية عن سواها من القنوات الفضائية من حيث المهنية او الاحتراف او المصداقية؟ ربما تصعب الاجابة عن هذا السؤال في ظل نسبية ما يمكن ان نتعامل بموجبه مع ما هو مهني او احترافي؟ واود الاشارة هنا الى انني لست في معرض تنزيه “البغدادية” عن كل ما يمكن ان يجعلنا “نشكل” عليها هنا او هناك . فهي في النهاية وسيلة اعلام مملوكة لرجل اعمال ينفق عليها , مثلما يقول, من حر ماله. لكن اذا ماكانت الاستقلالية او الحياد هي ما تدعيه كل وسائل الاعلام من فضائيات وصحف ووكالات فان الطريقة التي عوملت بها “البغدادية” في غضون السنوات الماضية (اغلاق مكاتبها اول الامر في العراق ومطاردة ابرز مقدمي برامجها بمذكرات قبض وصولا الى ايقاف بثها عبر القمر الصناعي) بدا اشبه بالاجتثاث حتى دون مساءلة اوعدالة.
الاسباب التي سيقت لتبرير الغلق سواء كان من من قبل الحكومة العراقية او ادارة النيل سات المصرية لاتنهض دليلا مقنعا للغلق الا اذا كان هناك وراء الاكمة ما وراءها وهو الراجح على اكثر الفروض والتوقعات. على اية حال, ستعاود البغدادية البث ثانية. ولانها “لاتقعد راحة” على ما اظن فربما يعاودها الغلق مرة والاغلاق مرات حتى يتعين على العاملين فيها ان يجهزوا ملابس المطاردة لان ذوقها لايلائم اذواق من يريد ان يفصل الوطنية والمواطنة على مزاجه. الناس انتظرت التغيير وربما يكون قد حصل على الاقل في عناوينه العامة. والناس تنتظر “البغدادية” بوصفها احدى علامات التغيير. لكن الثمن الذي دفعته طوال الشهور الماضية كان في جانب كبير منه جراء مراهنتها على التغيير. لكن هل يتوجب علينا وعليها الاحتفال بهذا التغيير؟ السؤال بحاجة الى مراجعة قبل الاجابة. فاذا كان النظر الى عملية التغيير من زاوية ازاحة شخص معين فهذا ليس كافيا. كما ان المراهنة على شخوص ومسميات وعناوين هي الاخرى ليست كافية. مايهمني هو ان تبقى البغدادية صوت الناس الصريح ولسانهم الفصيح. وهذا يكفي بل وزيادة.

 

بقلم: حمزة مصطفى