يميل عدد غير قليل من المراقبين وخبراء المياه في العراق إلى طرح ثلاثة عوامل أساسية تقف وراء أزمة المياه التي يعاني منها العراق منذ عقود ووصولها إلى ذروتها في الأيام الأخيرة، خاصة بعد إعلان تركيا المباشرة بالعمل في سد «إليسو». وبرأيهم فإن اثنين من تلك العوامل مرتبطة بجارتي العراق تركيا وإيران، وآخر محلي يتعلق بطبيعة السياسات التي ينتهجها العراق لإدارة ثروته المائية.
ومع أن الحصة الأكبر من النقاشات الدائرة في العراق هذه الأيام تذهب باتجاه توجيه سهام النقد اللاذعة للجارة الشمالية للعراق تركيا، إلا أن عددا غير قليل من المعنيين في المشكلة لا يقللون من تأثير السياسات المائية التي اتبعتها كل من سوريا والجارة الشرقية، إيران، على البلاد. ويولون، بدرجة أكبر ربما، ويتحدثون بغضب، عن الأهمية الاستثنائية للعوامل الداخلية العراقية في الأزمة المتمثلة في فشل الحكومات المتعاقبة منذ عقود طويلة في إدارة ثروة البلاد المائية واستخدامها بالطرق الرشيدة.
نائب الرئيس ووزير النفط السابق عادل عبد المهدي مثلا، يتحدث صراحة عن أولوية العوامل المحلية المرتبطة بموضوع أزمة المياه في العراق، ويرى أن شحتها «ترتبط بالعوامل الطبيعية وسلوك الدول المتشاطئة، وتخلفنا في الخزن والهدر بسبب أنظمة الري والتبخر». ويكتب عبد المهدي في مقال افتتاحي نشر أمس في صحيفة «العالم» ومواقع أخرى «عشرات مليارات الدولارات تصرف سنوياً في خطط وعسكرة وعقود فاشلة ونفقات استعراضية، استهلاكية، ليس إلا، لنحكم بالموت والفناء على أنفسنا. فلا نواجه حقائق الطبيعة ومصالح الدول والتطور، لنتباكى على بلد كان اسمه بلاد الرافدين!».
وينقل عبد المهدي عن الخبير المائي النرويجي الجنسية جون مارتن تروندالن الذي يزور العراق هذه الأيام قوله بأن «دجلة والفرات باتا نهرين ميتين أو يسيران حثيثاً خلال (20) عاماً نحو هذه النهاية» ويقترح عبد المهدي استراتيجية موحدة لمواجهة ذلك عبر الاتفاق إقليميا بين تركيا وسوريا والعراق من جهة، وبين العراق وإيران من جهة أخرى.
ويتفق خبير الموارد المائية ومدير ري بغداد خالد شمال مصحب على العوامل المحلية التي أسهمت في تفاقم مشكلة المياه في العراق، ويرى أن «السلطات المتعاقبة وعبر 98 سنة من عمر العراق المعاصر أخفقت في توقيع اتفاقية ملزمة بخصوص المياه مع دول الجوار». ويقول مصحب في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن «أزمة المياه أزمة مرتبطة بدول الإقليم والعراق جزء منها، لكن العامل المحلي من بين أبرزها ويتمثل بضعف المفاوض العراقي وغياب ثقافة الاستهلاك الرشيد والعمل بنظام الإرواء البدائي». ويشير إلى أن الفشل العراقي بعقد اتفاقيات ملزمة لدول الجوار «أدى إلى قيام دولتي المنبع (تركيا وإيران) بتنفيذ مشاريع إروائية كثيرة وخاصة من الجانب التركي من دون الأخذ بنظر الاعتبار وجهة نظر الجانب العراقي».
وعن دول الجوار ونسب إسهامها في أزمة المياه العراقية يبين مصحب أن «الأرقام تشير إلى تحمل تركيا المسؤولية الأكبر بنسبة نحو 55 في المائة، فيما تتحمل إيران بحدود 10 إلى 20 في المائة وسوريا نسبة أقل». ومع ذلك، يعتقد مصحب أن «أزمة المياه ستنعكس على الموسم الزراعي المقبل، وهناك بعض المبالغات في الحديث عن أزمة المياه هذه الأيام وخاصة تلك التي تظهر أن الموضوع قريب من الكارثة».
إلى ذلك، قالت شبكة «رووداو» الإعلامية أنها حصلت على معلومات تفيد بأن إيران أقامت مشروعين مائيين على نهر الزاب الأسفل، ومشروعاً على نهر سيروان وآخر على نهر ألوند، لتغير مسارات الأنهار الثلاثة المشتركة مع إقليم كردستان باتجاه عمق الأراضي الإيرانية. ونقلت عن مدير سد دربنديخان، رحمان خاني، قوله: «إن قطع تلك المياه ألحق أكبر الضرر بالثروة السمكية والزراعة في إقليم كردستان».
لكن «رووداو» أشارت في تقرير آخر إلى اجتماع وفد من مجلس محافظة السليمانية مع القنصل العام الإيراني في السليمانية، سعد الله مسعوديان، لبحث مسألة قطع مياه نهر الزاب الأسفل من قبل إيران. وذكرت أن القنصل العام الإيراني في السليمانية سعد الله مسعوديان قدم توضيحات حول مشكلة المياه في قضاءي بشدر وقلعة دزة، وأعلن في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع أن بلاده «لم تقطع مياه نهر الزاب الأسفل وحصة إقليم كردستان من مياه الشرب محفوظة».
من جهة أخرى، حمّل نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، أمس، السفير التركي لدى بغداد فاتح يلدز «رسالة شفوية» إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشأن أزمة المياه، مؤكدا على حل المشكلة القائمة بروح التفاهم. وقال النجيفي في بيان صدر على هامش لقائه السفير التركي في العراق، إنه «تم في الاجتماع مناقشة الملفات ذات الاهتمام المشترك، وملف المياه وما سببه من أضرار»، مشيرا إلى «علاقات الصداقة والجيرة وما تتطلبه من تعاون وتفاهم يصب في مصلحة البلدين والشعبين الصديقين». وذكر البيان، أن السفير التركي أشار من جانبه إلى أن بلاده لا تود التسبب بضرر للعراق.