اغلاق قناة البغدادية الفضائية.. وسقوط آخر معقل للديمقراطية

تفاجئت قبل قليل بخبر إغلاق قناة البغدادية الفضائية من قبل مالكها (عون حسين الخشلوك)، شككت في بادئ الأمر من الخبر الذي قرأته على موقع (كتابات) عندما كنت أراجع أحد مقالاتي المنشورة، ثم تأكدت عندما شاهدت “بيان” قناة البغدادية منشورا على موقعها الرسمي ، صدمت، حيث إني كنت من المتابعين بشكل يومي لبرنامج (ستوديو التاسعة) للمقدم الفذ أنور الحمداني، و لو اني هنا ليست لدي جهاز ساتالايت، ولكن عبر موقع اليوتيوب كنت اتابع حلقة البرنامج حالما يتم رفعها على صفحة
القناة في الموقع. ومن المؤسف للغاية أن أقول، إن هذه القناة التي كانت في نظري تمثل آخر معقل لما تبقى من الديمقراطية في العراق، قد تمت محاربتها من قبل السلطة الحاكمة، و قد منعت مكاتبها من العمل في العراق وأغلقت دون أي أمر رسمي من السلطة القضائية، لتستحصل لاحقا على أمر رسمي بفتح المكاتب من جديد، ثم بعد حدوث أزمة الموصل و لسبب مجهول يقوم أفراد بالدخول إلى مكاتبها و تحطيم ممتلكاتها بطريقة (العصابجية). و أيضا هذه القناة حوربت من قبل أنصار السيد المالكي، و أتهموها بإثارتها للطائفية و العنف، على الرغم من إني من المتابعين اليوميين، لم أسمع (ولو ليوم واحد، و لو لمرة واحدة) أي دعوة للعنف على هذه القناة او الطائفية،
بل و أقولها للتاريخ و إني محاسب عن كلامي أمام الله سبحانه وتعالى، إن الأسس التي تعتمد عليها في كل برامجها هي كالآتي:
أولا: الدعوة إلى الوحدة بين كافة اطياف الشعب العراقي، سنة و شيعة و كورد
ثانيا: كشف الفساد و المفسدين دون خجل و عن طريق التصريح باسمائهم
ثالثا: دعم المظاهرات الشعبية والمطالبات الجماهيرية بالحقوق و أخص منها
بالذكر حملة إلغاء تقاعد البرلمانيون
رابعا: مهاجمة الدكتاتورية المتمثلة (حسب القناة) بوجود السيد المالكي على كرسي السلطة
خامسا: دعم المواقف الوطني للمرجعية الدينية الشيعية المتمثلة بالسيد علي السيستاني لم أسمعها في يوم من الأيام ايدت الإرهابيين، أو جاملت طرفا من السياسيين، كانت تنتقد وبلسان لاذع كل المسؤولين و كل الأطراف السياسية وإن كانت خصصت جزءا كبيرا من زخمها (مؤخرا) لمهاجمة السيد المالكي و نعته بالفشل في قيادة الدولة علنا، وفي رأيي الشخصي إن هذا الكلام صحيح للغاية ، وبالطبع هنالك من يخالفها الرأي على أي حال، هذه هي “الديمقراطية” حتى في أميركا و كل البلدان المتقدمة الأخرى فهنالك انتقادات للرؤساء والأحزاب والمسؤولين، ووسائل الإعلام تراقب أي زلة لرئيس الدولة حتى تشهر به، بل إن وسائل الإعلام لا تخاف أن تكشف حتى أسرار الدولة لو وقعت بيدها و كمثال على ذلك عبارة قرأتها في أحد الكتب عن أحد الصحفيين، إن مجرد ذكر إسمه يجعل الـ CIA الأمريكية تغلق مكاتبها بسبب محاولاته للحصول على معلومات و تحقيقات صحفية مثيرة للجدل، ولكنها الـ CIA لم تقم بالطبع باعدامه او اغتياله، بل فقط كانت تحرص أن تخفي معلوماتها بمهارة وحرص عن
الصحفيين و غيرهم.
حقيقة أتعجب من البعض أن يقوم بسب وشتم القناة و المقدم الشهير أنور الحمداني، و يصفونه تارة بالبعثي والفلسطيني و أشياء أخرى، لأنه فقط يهاجم السيد المالكي، طيب ألا تحبون أن تكون هنالك رقابة على المسؤول
الذي انتخبتموه سواء عبر الإعلام ام غيره ؟ أم تريدون له الدكتاتورية المطلقة ؟ يحضرني هنا كلام المرجعية الذي لطالما اقتبست (قناة البغدادية) أجزاءاً منه بشكل يومي تقريبا، إن (النقد للمسؤول هو له وليس عليه) نعم، هذه الحقيقة التي لن يدركها البعض بعقولهم الساذجة ، ان توجيه النقد إلى المسؤولين و الإشارة لأخطائهم هو لمصلحة هؤلاء المسؤولين وليس ضدهم
ليكونوا أكثر حذرا، و ينتصروا على نفسهم الأمارة ، ما لم يظن هؤلاء المؤازرين للأشخاص إن المسؤولين هم أصحاب ارواح نقية مثل الملائكة أو
إنهم نسخ من علي إبن ابي طالب (عليهم السلام) حتى يكون من يتكلم عليهم ناصبي او منافق او غيره.
على أي حال لا أعتب على شعب قد “فرضت عليه الديمقراطية فرضا” ويعتبرها كفرا وإلحادا ، فبدلا من أن يكون إخلاصه وولائه للوطن، يكون ولائه للأشخاص، و بذلك يشن الحرب على كل من يوجه النقد لهؤلاء الأشخاص، لم يفهم الشعب إلى الان إن الديمقراطية ستحميهم من الإنزلاق إلى النظم الصدامية
في قيادة الدولة من جديد حتى و إن كانت بثوب “شيعي” ، وإن حرية الرأي ووسائل الإعلام بمجموعها (حتى المتفق على أجنديتها) إنما هي تقدم خدمة ثمينة للديمقراطية و أتباع الديمقراطية، فكيف الحال بقناة لطالما تغنت
بالوطن وحب الوطن، و لم تفرق في خطابها بين السني والشيعي و الكوردي والمسيحي ؟ بل كانت وبكل جرأة تكشف الفساد والمفسدين ؟ ولم تمجد أي شخصية
مهما كانت، بئسا وبئسا وبئسا لعقول لا تعتبر من التاريخ لتفهم كيف يتم صناعة الطغاة، و لا تدرك الحاضر لكي ترى كيف إعتمدت الدول المتقدمة على
الديمقراطية لتصل إلى مراحل قريبة من الكمال الدنيوي في حكم شعوبها.

 

بقلم: سامر عطا الله