“معايير كوبنهاجن”.. شروط تفصل أوكرانيا عن الحلم الأوروبي

يستعد قادة 27 بلداً في الاتحاد الأوروبي للمصادقة على منح أوكرانيا وضع الدولة المرشحة للانضمام إلى التكتل، خلال اجتماع يعقد في بروكسل، الخميس والجمعة، لكن عملية الانضمام قد تستغرق سنوات قبل اكتمالها.

ويشكل الاعتراف بوضع الدولة المرشحة بداية عملية طويلة مع صياغة المفوضية “لاستراتيجية لما قبل الانضمام”، أي برنامج دعم للإصلاحات اللازمة، من أجل ملاءمة الشروط الأوروبية، والتي تحمل اسم “معايير كوبنهاجن”، والتي أقرها الاتحاد الأوروبي في قمة كوبنهاجن (الدنمارك) عام 1993.

وتتضمن المعايير الأوروبية ثلاثة شروط أساسية، الأولى سياسية (الديمقراطية وسيادة القانون وحماية الأقليات)، والثانية اقتصادية (السوق القابل للاستمرار)، والثالثة الالتزام بإدخال قواعد القانون الأوروبي.

واعترفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي زارت أوكرانيا مرتين منذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير الماضي، بأن سلطات البلاد “فعّلت الكثير” استعداداً لترشيحها، لكنها قالت إنه لا يزال هناك “الكثير لم تفعله بعد”، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة الفساد واحترام سيادة القانون.

“الفساد”
يتطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سنوات من الإصلاح الإداري، إذ أن هناك 35 فصلاً من الاشتراطات في “معايير كوبهاجن”، يتعين الوفاء بها في مجالات تمتد من الشفافية والسياسة القضائية، إلى الخدمات المالية.

وفي تقريرها لعام 2021، صنفت منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية أوكرانيا في المرتبة 122 من أصل 180. وهذا أفضل مما كانت عليه في 2014 (المرتبة 142)، لكنها ما زالت بعيدة عن جيرانها في الاتحاد الأوروبي (الأسوأ بلغاريا في المرتبة 78).

وفي بداية عام 2021، قدّمت منظمة الشفافية الدولية في أوكرانيا 3 توصيات منهجية للحد من مستوى الفساد في كييف، ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل، وتم تنفيذ اثنتين منها جزئياً، بحسب المنظمة.

وكشفت تقارير عقب بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، أن الفساد استشرى كذلك في صفوف الجيش الأوكراني، إلى درجة أنه “ترك قوات الاحتياط بلا أسلحة أو إمدادات”، بحسب صحيفة “تايمز” البريطانية.

“معايير الديمقراطية”
بالنسبة لمعايير الديمقراطية، فنظام البلاد لا يزال ضمن فئة الأنظمة الهجينة في المنظور الأوروبي، إذ احتلت المرتبة 86 في مؤشر الديمقراطية عام 2021.

ويعتبر هذا الترتيب أعلى بكثير من مراكز جيرانها روسيا أو بيلاروس أو كازاخستان أو تركمانستان، التي صنفت كلها في مؤشر الديمقراطية على أنها أنظمة استبدادية.

لكن أوكرانيا تبقى متأخرة بشكل كبير عن دول أخرى مجاورة في الاتحاد الأوروبي، ومن ضمنها إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، والتي تصنف على أنها ديمقراطيات كاملة.

“تراجع الحريات”
تقرير منظمة “فريدوم هاوس” عام 2021 عن الحريات في جميع أنحاء العالم، أورد أن أوكرانيا قامت بإصلاحات إيجابية منذ الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش عام 2014 بعد احتجاجات شعبية. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن حالات الاعتداء على صحافيين ونشطاء مدنيين وأقليات.

ومن بين مظاهر تراجع كييف في تصنيفات وضعية الحريات، وثقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان العام الماضي، 29 حادثة استهدفت صحافيين وناشطين انتقدوا الحكومة.

وخلال العامين الماضيين، جرى استهداف صحافيين كشفوا قضايا فساد، وانتقدوا سياسة مكافحة جائحة كورونا.

وجاء في تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، أنه خلال عامي 2020-2021، تم استهداف الصحافيين الاستقصائيين والإعلاميين الذين يغطون مواضيع سياسية، مثل الفساد وتنفيذ قيود الرامية لمكافحة كوفيد-19″.

وبينما بذلت الحكومة بعض الجهود لتحسين الوضع، أخفقت السلطات في معظم الحالات في حماية أعضاء المجتمع المدني من الهجوم أو في محاسبة الجناة، كما جاء في تقرير المفوضية.

وأشار التقرير إلى أن أوكرانيا قيدت “بشدة” الفضاء المدني والحريات الأساسية في الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون في شرق البلاد منذ عام 2014، ما أدى إلى تآكل مساحة حرية التعبير والنشاط المستقل.

استقلال القضاء
ورغم التعديلات التشريعية لعام 2016، يُؤخذ على أوكرانيا تدخل السياسة في استقلال القضاء، وفق ملاحظات الأمم المتحدة والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إذ تم دعوة كييف لحماية القضاة من تدابير تؤثر على مسارهم المهني، وتهدد استقلال قراراتهم.

وبحسب موقع الاتحاد الأوروبي، فإنه لا توجد التزامات على أوكرانيا لإصلاح نظام محاكمها بطريقة معينة أو بأخرى، ولكن هناك مبادئ أخرى مهمة بشأن استقلال وأخلاقيات القضاء والمهنية، يجب دعمها واحترامها.

واعتبر الموقع أن الثقة قضية حاسمة بشأن استقلالية القضاء، مشيراً إلى أن استطلاعاً أجراه مركز “رازومكوف” في الفترة من يوليو إلى أغسطس في عام 2021، وجد أن القضاء هو ثالث أقل المؤسسات الموثوقة في أوكرانيا.

وأشار إلى الحاجة لعدم وجود الثقة في إمكانية أن تكون أوكرانيا “مكاناً عادلاً يقوض النظام القضائي والديمقراطية الأوكرانية”.

سوق حرة
وتستدعي أيضاً “معايير كوبنهاجن” التزام الدول المرشحة بمتطلبات السوق الحرة، والالتزام بأهداف بروكسل النقدية، وضمانها القدرة على الإبقاء على معدلات التضخم، وأسعار الفائدة طويلة الأجل والعجز العام دون الحد الأدنى الأوروبي.

وفي المرحلة الراهنة، ينظر إلى كييف على أنها سوق حرة ناشئة، حيث تتوفر لديها خصائص عدة مثل التي يتطلبها السوق الأوروبي الرئيسي، بما في ذلك القوى العاملة المتعلمة والمدربة جيداً، وقاعدة صناعية متينة، وأراضي زراعية غنية.

لكن الاتحاد الأوروبي يضع أيضاً في الحسبان بأن نمو اقتصاد كييف لا يزال بطيئاً، إلى جانب أن تعافيه من الحرب الجارية ضد القوات الروسية قد لا يكون قريباً.

وتوقّع البنك الدولي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا بنسبة 45.1% في 2022، مع تقلص عائدات الضرائب الحكومية، وإغلاق الشركات، وتعطل التجارة.

ومن أسباب القلق الأخرى التي يشير إليها تقرير البنك الدولي، هي زيادة الفقر في أوكرانيا، فمن المتوقع أن ترتفع نسبة السكان الذين يعيشون على 5.50 دولار يومياً من 1.8% عام 2021 إلى 19.8% في العام الحالي، وفق إحصاءات البنك الدولي.