مركز دراسات: نتائج الانتخابات والتغيرات المحتملة لميزان القوى الداخلي للبلد

يخوض العراق الان مرحلة صفقات ومساومات ما بعد الانتخابات لتشكيل حكومة والتي ستكون طويلة ملتوية متعرجة وذلك ما بين كتل ونخب سياسية متنفذة في البلد، حيث من المتوقع ان يمتد الفراغ الحكومي ما بين انتخابات 10 تشرين الأول وترديد اليمين الدستورية للحكومة الجديدة القادمة لحد صيف العام القادم.

وجاء في تقرير نشره موقع WPR الدولي للدراسات السياسية بان نتائج الانتخابات جعلت من الممكن حدوث تحولات مهمة كثيرة في ميزان القوى الداخلي للبلد. ولكن مخاطر حدوث عنف خلال المرحلة الانتقالية امر وارد في بلد تتخلله فصائل مسلحة وأحزاب لها تاريخ تفاوضي بالعنف وتهديد بزعزعة امن البلد. نتيجة لذلك فان الحصيلة المحتملة بعد اشهر من مفاوضات ومساومات ستتم ايضا بتشكيل حكومة توافق وطني أخرى برئيس وزراء ضعيف يتم خلالها السماح لجميع الأطراف، من فائزين وخاسرين، ان يشتركوا بغنائم نظام محاصصة ومحسوبية وفساد في حين يتم التهرب من مسؤولية الفشل الإداري للعراق.

وكانت مفوضية الانتخابات العراقية قد نشرت نتائج الانتخابات على الانترنيت وتقوم حاليا بالبت في قضية الطعون والشكاوي قبل ان تتم مصادقة المحكمة العليا على النتائج. ومن المفترض ان يحصل ذلك قبل عقد جلسة برلمانية أولى المقرر لها في 20 تشرين الثاني المقبل، ولكن ما عهدنا عليه ان هذه المواعيد الزمنية المحددة تتميز بمطاطية تمدد فنية.

نسبة مشاركة المصوتين كانت متدنية بشكل قياسي مقارنة بالانتخابات السابقة، انه مؤشر جوهري لانتخابات مبكرة دعي لها قبل سنة من موعدها استجابة لمطالب احتجاجات عامة انطلقت في تشرين الأول 2019 ضد فساد مستشر وسوء إدارة حكومية. مع ذلك فان كثيرا من أحزاب معارضة قاطعت الانتخابات ردا على حملة ترهيب وعنف على ناشطين ومستقلين من قبل مجاميع مسلحة.

الفائز الأكبر من عملية التصويت كان التيار الصدري الذي اثبت قدراته السياسية، ورغم حصوله على عدد اقل من المقاعد في انتخابات عام 2018 فانه حصد 20 مقعدا آخر في هذه الانتخابات ليصل عدد مقاعده البرلمانية الى 73 مقعدا محققا العدد الأكبر من مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا.

وجاءت نتائج الانتخابات مفاجئة أيضا بالنسبة لمرشحي أحزاب المعارضة والمستقلين والناشطين حيث حققوا فوزا بعدد لابأس به من المقاعد. ويتوقع الباحث، حارث حسن، من مركز كارنيغ لدراسات الشرق الأوسط، بانه قد يتوصل المستقلون والمعارضون في النهاية الى تشكيل كتلة تضم ما يقارب من 30 الى 40 مقعدا برلمانيا.

ما يعنيه ذلك بالنسبة لادارة البلد سيعتمد كثيرا على ما سيبرم من اتفاقات وصفقات خلال عمليات التفاوض حول تشكيل الحكومة. من جانب آخر فان الكتل السياسية التي تنضوي تحتها فصائل مسلحة لم تحقق نجحا في الانتخابات، واحد أسباب ذلك يرجع الى انهم لم ينسقوا حملاتهم الانتخابية فيما بينهم وان قوائمهم الانتخابية قريبة جدا من تلك التي استخدموها في انتخابات عام 2018. حيث رفضت هذه الأحزاب نتائج الانتخابات مدعية حصول تلاعب وتزوير والتي لم تؤيدها فيها أية جهة رقابية مستقلة ودولية للانتخابات.

حدوث تغيير ذو مغزى في أوساط العراق السياسية يتطلب حصيلة تبدو الان غير محتملة. وان اكثر العوامل حيوية لتحقيق إدارة افضل للبلد هو رئيس وزراء قوي يمتلك قاعدة سياسية مستقلة تمكنه من التصرف بشكل حازم. وكان الصدريون قد وعدوا خلال حملتهم الانتخابية بانهم اذا فازوا فانهم سينصبون رئيس وزراء قوي منهم. ولكنهم من المحتمل ان ينتهوا بكسر هذا الوعد بسبب مفاوضات وتوافقات، او حتى لانهم قد لا يفضلون أصلا تحمل مسؤولية حكم العراق.

عامل مهم آخر لتحقيق تغيير سياسي سيكون بإصلاح نظام المحاصصة الفاسد الذي يتم وفقه تقاسم ثروات وموارد البلد ما بين كتل وأحزاب سياسية. الخطوة الأولى نحو اصلاح جدي طويل الأمد سيكون بوضع نهاية لهذا النظام المتبع في إدارة البلد، ولكن تحقيق ذلك في الواقع سيكون بتفكيك نظام انتفعت بموجبه أحزاب وكتل متنفذة. وان أي حزب او كتلة ستحرم من فوائد هذا النظام السياسي ستعارض، ولا يمكن تصور وضع نهاية لنظام سياسي يعتمد على المحاصصة بدون إراقة دماء.

الامل الوحيد الباقي للتغيير هو بروز قوة معارضة منتخبة داخل البرلمان مشكلة من مستقلين وناشطين قادمين من حركة الاحتجاجات الشعبية. سيواجهون حتما عقبات وتهديدات وعنف. ولكن انشطتهم ستحقق في النهاية تحولا بمحتوى الخطاب السياسي العراقي من خلال خلق ثقافة المعارضة المنظمة، وحتى الدفع تجاه اعتماد إجراءات حقيقية للشفافية والمساءلة.

كل هذه مجرد جزء من قائمة قضايا رئيسة على المحك بعد هذه الانتخابات يرجى منها ان تحقق تغييرا نحو الأفضل ولو بعد حين. قسم من آراء العراقيين يميل الى ضرورة وجود سلطة تنفيذية اكثر قوة تستطيع اصلاح ما كُسر، في حين يتساءل كثيرون آخرون عن مغزى ديمقراطية العراق بأكملها. ولكن حتى مع كل هذه المحاذير وأسباب القلق، فانه ما يزال هناك أمل وتوقع بحدوث بعض التحسينات في إدارة البلد نحو الأفضل، ويعتمد ذلك على ما ستفضي اليه المفاوضات السياسية في الأشهر القادمة.