روسيا تكثف الهجوم في دونباس.. وأوكرانيا تستبعد وقف النار

استبعدت أوكرانيا وقف إطلاق النار أو تقديم تنازلات لموسكو السبت، بينما كثفت روسيا هجومها في منطقة دونباس الشرقية، وأوقفت تزويد فنلندا بالغاز.

وبعد انتهاء مقاومة استمرت لأسابيع من قبل آخر المقاتلين الأوكرانيين في مدينة ماريوبل الاستراتيجية الجنوبية الشرقية، تشن روسيا ما يبدو أنه هجوم كبير في لوغانسك، إحدى مقاطعتين في دونباس.

وكان الانفصاليون المدعومون من روسيا يسيطرون بالفعل على مساحات شاسعة من الأراضي في لوغانسك وإقليم دونيتسك المجاور قبل بدء الحرب في 24 فبراير الماضي، لكن موسكو تريد الاستيلاء على آخر الأراضي المتبقية التي تسيطر عليها أوكرانيا في دونباس.

وفي رسالته المعتادة عبر الفيديو مساءً، قال زيلينسكي إنّ الوضع العسكري “لم يتغيّر بشكل كبير، لكنّه كان صعباً جداً”، وشدّد على أنّ “الوضع في دونباس في منتهى الصعوبة”، مشيراً إلى القوات الروسية تحاول مهاجمة مدينتي سلافيانسك وسيفيرودونيتسك، لكن القوات الأوكرانية تمنع تقدمها.

وحذّر زيلينسكي، في مقابلة مع محطّة “آي سي تي في” المحلّية، من أنّ المرحلة الحاليّة من الحرب “ستكون دمويّة”، لكن في النهاية سيتعيّن حلّها “عبر الدبلوماسيّة”، وأبدى استعداده مجدّداً لعقد لقاء إن تطلّب الأمر “على المستوى الرئاسي” مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرفض ذلك حتّى الآن. 

وأضاف بعد ساعات قليلة خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا: “هذه أراضينا، وخطوة بعد أخرى سنحرّرها”، متحدّثًا عن حاجة بلاده خصوصاً لـ”عربات مصفّحة”.

في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية السبت تدمير شحنة “كبيرة” من الأسلحة المرسلة من دول غربية في منطقة شرق دونباس في شمال غرب أوكرانيا.

وأوضحت الوزارة أنها “دَمّرت صواريخ كاليبر طويلة المدى وعالية الدقة أُطلِقت من البحر شحنةً كبيرة من الأسلحة والمعدّات لعسكرية أرسلتها الولايات المتحدة ودول أوروبية قرب محطة مالين للسكك الحديد في منطقة زيتومير”، فيما لم يتسنَّ التحقّق من الأمر بشكل مستقل.

“لا وقف للنار”

ميخايلو بودولاك مستشار زيلينسكي الموافقة على وقف إطلاق النار، وقال إن كييف لن تقبل أي اتفاق مع موسكو يتضمن التنازل عن الأراضي. وقال إن تقديم تنازلات من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية على أوكرانيا لأن روسيا سترد بقوة أكبر بعد أي توقف للقتال.

وقال بودولياك كبير المفاوضين الأوكرانيين لرويترز في مقابلة في المكتب الرئاسي الخاضع لحراسة مشددة “الحرب لن تتوقف (بعد التنازلات). ستتوقف قليلاً لبعض الوقت.. سيبدأون (بعدها) هجوماً جديداً سيكون أكثر دموية وواسع النطاق”.

وكانت دعوات لوقف فوري لإطلاق النار أطلقها كل من وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي.https://cdn.iframe.ly/Jh8zAWl

مساعدات أميركية.. وعقوبات روسية

ومع تواصل الحرب، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته عاصمة كوريا الجنوبية، سول، قانوناً أقرّه الكونجرس الخميس ينصّ على تخصيص مبلغ ضخم قدره 40 مليار دولار لأوكرانيا، يُتيح لها خصوصاً الحصول على مدرّعات وتعزيز دفاعها الجوّي. فيما رحّب زيلينسكي بالمساعدة التي اعتبر أنّ “لها ضرورة الآن أكثر من أيّ وقت مضى”.

وتقول موسكو إن العقوبات الغربية، إلى جانب شحنات الأسلحة لكييف، ترقى إلى مستوى “الحرب بالوكالة” من جانب الولايات المتحدة وحلفائها.

ونشرت وزارة الخارجية الروسية السبت لائحة تتضمن 963 اسماً لشخصيات أميركية ممنوعة من دخول روسيا، بينها بايدن ورئيس مجموعة ميتا المالكة لفيسبوك مارك زوكربرغ والممثل مورغان فريمان، رداً على عقوبات مماثلة فرضتها واشنطن منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت الخارجيّة الروسيّة السبت إنّ “العقوبات الروسيّة المضادّة ضروريّة وتهدف إلى إرغام السلطة الأميركيّة القائمة، التي تُحاول أن تفرض على سائر العالم نظاماً عالمياً استعمارياً جديداً على تغيير موقفها والاعتراف بوقائع جيوسياسيّة جديدة”.

الحرب في دونباس

ميدانياً، بعد الفشل في السيطرة على كييف ومنطقتها أواخر فبراير ومارس، تركّز القوات الروسيّة حالياً جهودها على مهاجمة شرقي أوكرانيا، حيث يشتدّ القتال.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، قصف القوات الأوكرانية جواً وبالمدفعية في الشرق والجنوب مستهدفة مراكز القيادة والجنود ومستودعات الذخيرة.

وقال إيجور كوناشينكوف المتحدث باسم وزارة الدفاع، إن صواريخ أطلقت من الجو أصابت 3 نقاط قيادة و13 منطقة تحتشد فيها قوات ومعدات عسكرية أوكرانية، إضافة إلى أربعة مستودعات للذخيرة في دونباس.

وأضاف كوناشينكوف أن الصواريخ الروسية أصابت نظاماً متنقلاً مضاداً للطائرات المُسيرة قرب هانيفكا على بعد نحو 100 كيلومتر شمال شرقي مدينة ميكولايف بجنوب أوكرانيا.

وتابع: “الصواريخ والمدفعية أصابت 583 منطقة تجمع للقوات والمعدات العسكرية الأوكرانية و41 نقطة مراقبة و76 وحدة مدفعية وهاون (مورتر) في مواقع إطلاق النار بينها 3 بطاريات جراد، إضافة إلى محطة بوكوفيل للحرب الإلكترونية الأوكرانية قرب هانيفكا في منطقة ميكولايف”. 

وتشكل سيفيرودونيتسك وتوأمها ليسيتشانسك عبر نهر سيفيرسكي دونتس الجزء الشرقي من جيب يسيطر عليه الأوكرانيون تحاول روسيا اقتحامه منذ منتصف أبريل بعد أن فشلت في الاستيلاء على كييف.

وكانت وزارة الدفاع الأوكرانيّة أكّدت الجمعة أنّ الوضع في هذه المنطقة “يظهر مؤشّرات إلى تفاقمه” في ظلّ “النيران المكثفة” من القوّات الروسيّة “على طول خطّ المواجهة بكامله”. وأعلن حاكم دونتيتسك بافلو كيريلينكو عبر تلجرام 7 ضحايا وإصابة 10 آخرين السبت في منطقته.

جنود أوكرانيون يساعدون رفاقهم في مكان ليس ببعيد عن خط المواجهة في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. 21 مايو 2022 - AFP
جنود أوكرانيون يساعدون رفاقهم في مكان ليس ببعيد عن خط المواجهة في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. 21 مايو 2022 – AFP

وقال سيرجي جايداي، الحاكم الأوكراني لمنطقة لوغانسك، إنّ “الروس يبذلون كلّ جهودهم للاستيلاء على سيفيرودونيتسك”، حيث تضاعفت حدّة القصف في الأيّام الأخيرة.

وأضاف: “المدينة يجري تدميرها مثلما دمّروا من قَبل روبيجني وبوباسنا”، مشيراً إلى أنّ القوّات الروسيّة دمّرت جسر بافلوجراد، “وهو ما سيعقّد إلى حدّ كبير إجلاء المدنيين” وتسلّم مساعدات إنسانيّة تنقلها شاحنات.

وأعلنت الشرطة الأوكرانيّة على فيسبوك أنّها أجلت نحو 60 شخصاً، بينهم أطفال من كنيسة تعرّضت لقصف في قرية بوجوروديشني. ولم تقع إصابات بحسب المصدر نفسه.

خاركوف

إلى الشمال، قال حاكم منطقة خاركوف (شمال شرق) أوليج سينيجوبوف إن المناطق المحيطة بالمدينة استُهدفت بنيران مدفعية مكثّفة في الساعات الماضية، ما أسفر عن سقوط شخص وإصابة 20 آخرين.

قرب خاركوف، ثاني أكبر مدن البلاد والقريبة من الحدود الروسية، شهدت قرية مراسم دفن السبت في الميدان العسكري بمقبرة بيزليوديكوفا، بعد شهر على تحرير القرية إثر قتال عنيف.

وقال عسكري طلب عدم كشف هويته، متحدثاً عن أول جنديين تم دفنهما “عثر عليهما مع 5 جثث أخرى لم نتمكن من تحديد هويتها. يشتبه في أنهم أعدِموا. قتِلوا برصاص في مؤخر الرأس”، ولم تتوافر الى الآن معلومات إضافية حولهم.

في ريفنا قرب الحدود مع بولندا، قال حاكم المنطقة فيتالي كوفال عبر تلجرام، إن صاروخاً روسياً استهدف “بنية تحتية عسكرية”. ونادراً ما تعرضت هذه المدينة للهجوم منذ بداية النزاع.

مدافن القسم العسكري في خاركوف، شرق أوكرانيا. 21 مايو 2022 - AFP
مدافن القسم العسكري في خاركوف، شرق أوكرانيا. 21 مايو 2022 – AFP

الوضع في ماريوبل

أما في مدينة ماريوبل (جنوب شرق) التي دمرها النزاع إلى حد كبير، فبات نحو 2500 عنصر من القوات الأوكرانية أسرى هذا الأسبوع بعد تسليم أنفسهم، وفق ما أعلن الروس.

ووعد الرئيس الأوكراني في حواره المتلفز بأن هؤلاء المقاتلين الذين ظلوا متحصنين لأسابيع تحت القنابل في مجمع “آزوف ستال” للصلب بعد سيطرة الروس على المدينة، “ستتم إعادتهم إلى بيوتهم”، في إشارة إلى نقاشات جارية مع فرنسا وتركيا وسويسرا حول هذا الموضوع، من دون أن يكشف مزيداً من التفاصيل. 

وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية مساء الجمعة أن جيب المقاومة الأخير هذا في المدينة الساحلية الاستراتيجية المطلة على بحر آزوف “صار تحت السيطرة الكاملة للقوات المسلحة الروسية” بعد استسلام آخر مقاتل أوكراني.

جنود أوكرانيون من مصنع "آزوف ستال" بماريوبل يجلسون في حافلة تحت حراسة الجيش الموالي لروسيا في مستوطنة أولينيفكا في دونيتسك المنطقة. 20 مايو 2022 - REUTERS
جنود أوكرانيون من مصنع “آزوف ستال” بماريوبل يجلسون في حافلة تحت حراسة الجيش الموالي لروسيا في مستوطنة أولينيفكا في دونيتسك المنطقة. 20 مايو 2022 – REUTERS

ورفضت كييف مصطلح استسلام، وتتحدث عن عملية تهدف إلى “إنقاذ أبطالنا” ومبادلتهم بسجناء روس.

من جهته، قال النائب والمفاوض الروسي ليونيد سلوتسكي السبت إنّ روسيا “ستدرس” إمكانية تبادل مقاتلين أسرى من فوج آزوف الأوكراني، بفيكتور ميدفيدتشوك القريب من فلاديمير بوتين.

وميدفيدتشوك (67 عاماً) سياسيّ أوكراني معروف ورجل أعمال يُعرف عنه قربه من بوتين، وكان اعتُقل منتصف أبريل في أوكرانيا أثناء فراره.

ومن شأن السيطرة الكاملة على ماريوبل أن تمنح روسيا التحكم في طريق بري يربط شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو في عام 2014 ، مع البر الرئيسي لروسيا ومناطق شرقي أوكرانيا التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا.

“لا بديل” عن الاتحاد الأوروبي

دبلوماسياً، تطرّق زيلينسكي السبت إلى المستقبل الأوروبي لبلاده، رافضاً مرة أخرى اقتراح نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاء “منظمة سياسية أوروبية” تكون أوكرانيا عضواً فيها. 

وقال في مؤتمر صحافي في كييف مع رئيس الوزراء البرتغالي: “لسنا بحاجة إلى بدائل لترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولسنا بحاجة إلى تسويات كهذه”. 

وأضاف: “لأنه، صدقاً، لن تكون هناك تسويات مع أوكرانيا في ما يتعلق بأوروبا، سيكون هناك تنازل آخر بين أوروبا وروسيا”.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح مشروع “المنظمة السياسية الأوروبية” في 9 مايو أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج (شرق فرنسا)، في خضم مناقشة إطلاق عملية انضمام أوكرانيا التي تتعرض لهجوم روسي منذ 24 فبراير.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البرتغالي في كييف. 21 مايو 2022 - REUTERS
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البرتغالي في كييف. 21 مايو 2022 – REUTERS

نزاع الغاز

وقطعت روسيا إمدادات الغاز السبت عن فنلندا، عضو الاتحاد الأوروبي، وقالت شركة “غازبروم” الروسية العملاقة إن هلسنكي رفضت شروطها الجديدة المتمثلة في دفع ثمن مقابل الغاز بالروبل.

وأكدت شركة “غازوم” الفنلندية أنها تستطيع الحصول على الغاز من موردين آخرين ومواصلة أنشطتها “بشكل طبيعي”.

وأثارت الدولة الاسكندنافية المحرومة أصلاً منذ منتصف مايو من وارداتها من الكهرباء الروسية، غضب موسكو من خلال قرارها التقدم مع السويد بطلب لعضوية حلف شمال الأطلسي. وبذلك تنضم فنلندا إلى بولندا وبلغاريا التي قطعت “غازبروم” الغاز عنها، لأنها رفضت الدفع بالروبل.