تقرير: هل يعود “داعش” من جديد إلى العراق؟

 

 
تسلّلت مجموعة من عناصر تنظيم "داعش" في 23 شباط/فبراير الحاليّ، ليلاً إلى قضاء حديثة في محافظة الأنبار، كانت تنتقل عبر بحيرة الثرثار في المحافظة بزوارق خاصّة. وكانت هناك خيمة ينام فيها 6 من صيّادي الأسماك قادمين من محافظة النّجف – جنوبيّ العراق، فأطلقت النار على الصيّادين وقتلتهم جميعاً. وفي اليوم ذاته، هاجمت مجموعة انغماسيّة من تنظيم "داعش" قرية النمل في قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين، لكنّ السكّان هناك وقوّات الشرطة الاتحاديّة و"الحشد الشعبيّ" تصدّوا لها. وكانت عناصر التنظيم تحمل الأحزمة الناسفة، إضافة إلى الأسلحة الرشّاشة.

لقد قام تنظيم "داعش"، منذ النصف الثاني من كانون الثاني/يناير الماضي حتّى الأيّام العشرة الأخيرة من شباط/فبراير الحاليّ، بعمليّات عدّة في غربيّ العراق وصلاح الدين أيضاً، كانت كلّها في الصحراء وضدّ مدنيّين بعضهم خرجوا لحصاد الكمأة. وتأتي هذه العمليّات، في وقت تُطلّق تحذيرات كثيرة عن احتمال عودة تنظيم "داعش" إلى العراق، أبرزها ما أشار إليه رئيس هيئة "الحشد الشعبيّ" مستشار الأمن الوطنيّ فالح الفيّاض في 16 شباط/فبراير من عام 2019 خلال مقابلة مع صحيفة "دير شبيغل" الألمانيّة عندما قال: "إنّ حركة جديد تظهر تحت الأرض، وهذا خطر على العالم".

ومع أنّ فالح الفيّاض حذّر من الحركة الجديدة التي يتوقّع أنّها تكون لـ"أبناء داعش"، إلاّ أنّه أشار إلى عدم وجود أرضيّة مناسبة يمكن لـ"داعش" أو أيّ تنظيم جديد الاستناد عليها في مراحل كسب التأييد المجتمعيّ.

بدوره، قال المتحدّث باسم التحالف الدوليّ الكولونيل شون رايان خلال تصريحات صحافيّة في بغداد بـ20 شباط/فبراير الحاليّ: "رأينا أخيراً بوادر عودة لداعش. نرى جيوباً صغيرة في العراق، لكنّ هذه الجيوب قد تلحق أضراراً كبيرة ما لم يتمّ التعامل معها بحزم وقوّة".

التحذيرات تأتي بعد عمليّات عدّة نفّذتها عناصر "داعش" في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم سابقاً، تحديداً في محافظة الأنبار وصحرائها القريبة من الحدود السوريّة، والتي ما زالت تنفّذ فيها القوّات الأمنيّة العراقيّة وطيران التحالف الدوليّ بعض الضربات ضدّ مقارّ تعود إلى "داعش".

تتّفق التحذيرات العراقيّة مع التقارير المبنيّة على معلومات استخباراتيّة تتحدّث عن دخول ألف عنصر من تنظيم "داعش" إلى العراق خلال الأشهر الـ6 الماضية، وهذا يؤشّر إلى وجود تحرّك من قبل التنظيم لإعادة ترتيب أوراقه في العراق.

أمّا القوّات الأمنيّة العراقيّة فقلّلت من خطورة تحرّكات تنظيم "داعش" الأخيرة، ورأت أنّها تحرّكات "إعلاميّة". وفي هذا الإطار، قال المتحدّث باسم قيادة العمليّات المشتركة في العراق العميد يحيى رسول لـ"المونيتور": "نحن نقوم بعمليّات استباقيّة ضدّ عناصر التنظيم، فما يقوم به مجرّد محاولات ليقول للناس إنّه متواجد في العراق".

من جهته، لفت اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "تنظيم داعش لا يمتلك أيّ أرضيّة حتّى يعود من خلالها، فما يفعله شائعات وحرب نفسيّة، لكن على الأرض لا يوجد أيّ شيء، فحتّى قيادات التنظيم غير متماسكة مثلما كانت سابقاً"، وقال: "لا يمكن للتنظيم إعادة وضعه، الذي كان قبل بدء عمليّات التحرير خلال عام 2016، فليست لديه بنى تحتيّة مجتمعيّة ولا ماليّة، ولا وضع إقليميّ يساعد على ذلك. ولذا، فإنّ عودته أمر شبه مستحيل، لكنّه سيلجأ إلى عمليّات الاغتيال والتفجيرات، وهذه أيضاً ليست بالطريقة التي كانت سابقاً".

إنّ عمليّة استلام القوّات العراقيّة مجموعة عناصر من عناصر تنظيم قوّات سوريا الديموقراطيّة (قسد)، أثارت المخاوف أكثر في العراق من احتمال أن تكون هذه العمليّة بداية لعودة التنظيم إلى البلاد، لكنّ خليّة الإعلام الأمنيّ الحكوميّة أصدرت في 25 شباط/فبراير الحاليّ "تطميناً"، وقالت في بيان صحافيّ: "الذين تمّ استلامهم هم من حملة الجنسيّة العراقيّة فقط، ويقدّر عددهم بـ500 عنصر. لقد تمّ استلام 280 عنصراً منهم من قبل وزارة الداخليّة".

وأشارت إحصائيّات أجراها الباحث الأميركيّ في معهد واشنطن مايكل نايتس إلى أنّ تنظيم "داعش" قام بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2018، بـ1271 هجوماً، منها 762 حادث انفجار، من بينها 135 محاولة ارتكاب هجمات مسبّبة لإصابات جماعيّة و270 عمليّة تفجير فعّالة بالعبوات المفخّخة على جوانب الطرق، وحاول التنظيم تجاوز 120 نقطة تفتيش أو مركزاً عسكريّاً تابعاً لقوّات الأمن العراقيّة ونفّذ 148 عمليّة قتل دقيقة لأفراد مستهدفين.

وقال فاضل أبو رغيف، الذي علّق على الأحداث الأمنيّة في العراق، وهو مقرّب من أجهزة الاستخبارات العراقيّة لـ"المونيتور": "إنّ تنظيم داعش يحاول تسويق نفسه، مرّة أخرى، عبر إعادة تشكيل ولاياته وقطعاته".

أضاف: "يريد العودة بحلّة جديدة، ويريد العمل بالضربات الجزئيّة. ويريد أيضاً العودة إلى المفخّخات والعبوات وتشكيل مفارز اغتيالات جوّالة، وأخطر الأماكن التي يتواجد فيها، هي وادي القذف ووادي حوران في الأنبار، ومطيبيجة في صلاح الدين، وبادوش غرب نينوى، إضافة إلى صحراء قضاءيّ راوة والقائم في الأنبار".

وفي بداية شباط/فبراير الحاليّ، حذّر تقرير لوزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) من خطر عودة تنظيم "داعش" إلى العراق من خلال تجديد مهامه الرئيسيّة وقدراته العسكريّة، لكنّ هذه المرّة بطريقة سريّة.

ولم يخف رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني قلقه من عودة تنظيم "داعش" من جديد. ولذاذ، قال في 27 كانون الثاني/يناير الماضي: "لدينا مخاوف من عودة ظهور داعش في الأنبار ونينوى".

نستطيع القول، إنّ عودة تنظيم "داعش" ممكنة، ولكن هل سيعود مثلما كان عليه في السابق، بكلّ تأكيد لا، فهو لا يملك البيئة المجتمعيّة التي تساعده في مراحل الكسب والتأييد، وليست لديه هالة إعلاميّة مثلما كان عليها في السابق. كما أنّه لم يعد متماسكاً مثل قبل. وإضافة إلى هذا كلّه، فهو ضعيف اقتصاديّاً الآن، لكنّه يستطيع تنفيذ عمليّات قد تربك القوّات الأمنيّة العراقيّة.