قنبلة البصرة الكامنة – عدنان حسين

 

يبدو أنّ رئيس الوزراء حيدر العبادي من هواة الألعاب والمفرقعات النارية، فقد اختار أن يتّخذ على مدى أسابيع موقف المتفرّج حيال الحركة الاحتجاجيّة القويّة التي اندلعت في مطلع تموز الماضي انطلاقاً من العاصمة الاقتصادية، البصرة، وانتهاءً بالعاصمة الاتحادية بغداد، حتى اشتعلت النيران في مبانٍ حكومية ومقارَّ حزبية في البصرة بفعل فاعلين أشار إليهم العبادي ولم يجرؤ على تسميتهم، وهم من خارج الحركة الاحتجاجيّة كان غرضهم إحراق البصرة للقفز إلى السلطة فيها ثم في بغداد.
لم يزل السيد العبادي، في ما يبدو، يمارس هوايته اللعب بالنار، فهو يرفض بعناد كبير تلبية مطالب محتجّي البصرة ونوابها وشخصيّاتها السياسية والاجتماعية، بعزل قائد العمليات في المحافظة مكتفياً بإقالة قائد الشرطة الذي كان هو الآخر مطلوباً عزله.
موقف العبادي التمسّك بموظف عام غير مرغوب فيه جماهيرياً وسياسياً غير مفهوم، خاصة أنّ مطلب العزل يتّصل بقضية مقتل 15 من المتظاهرين السلميين وإصابة العشرات منهم ومن عناصر الأجهزة الأمنية بجروح. حتى لو كان العبادي يعتقد أنّ المطلب العام بعزل قائد العمليات غير صحيح وما من فائدة أو مصلحة فيه، ففي ظرف متفجّر كالظرف الذي تعيشه البصرة كان على العبادي الرضوخ للمطلب، إذْ لديه خيار نقله إلى وظيفة مماثلة في محافظة أخرى أو في ديوان وزارة الدفاع أو في مكتب القائد العام للقوات المسلحة. حتى الآن لم يصرّح العبادي بسرّ تمسّكه بقائد العمليات لكي يتفهّم الناس موقفه وإعطاء المطالبين بالعزل الأذن الطرشاء .
لعبُ العبادي بالنار يمتدُّ أيضاً إلى ما يتعرّض له بعض نشطاء الحراك الشعبي في البصرة من اعتقالات تحت ستار ملاحقة المخرّبين الذين هاجموا المباني الحكومية والمقارّ الحزبية وأحرقوها. العبادي بنفسه صرّح علناً بأنّ أعمال التخريب تلك تندرج في إطار الصراع السياسي بين الاحزاب والميليشيات وأنّ مَنْ قاموا بها “مندسّون” وليسوا من المتظاهرين السلميين.
عدم تلبية مطالب أهالي البصرة وقياداتها السياسية والاجتماعية بعزل قائد العمليات وبالتحقيق في قضايا قتل المتظاهرين، وشنّ حملة اعتقالات في صفوف نشطاء الحراك الاحتجاجي، هما في الواقع لعب خطير بالنار، فمن شأن هذا كلّه أن يفجِّر من جديد الوضع في البصرة، وإذا كانت الأمور قد أصبحت تحت السيطرة في الأيام الأخيرة فليس في وسع العبادي أو سواه ضمان عدم خروج الأوضاع في عاصمة العراق الاقتصادية وبوابته إلى العالم ومنفذ صادراته النفطية عن السيطرة.
المنطق والمسؤولية الوطنية يُحتِّمان على العبادي، وهو في الأيام الأخيرة لولايته، عدم توريث الحكومة المقبلة قنبلة شديدة الانفجار لا أحد يعرف متى تخرج عن كُمونها وتنفلق لتُلهب البصرة بنار يُمكن أن يمتدّ سعيرها إلى مدن أخرى.