واشنطن بوست: انسحاب الأميركان من سوريا يُقلق حلفاءهم في العراق ويعزِّز موقف الخصوم

يطرح قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية التي تحارب داعش من سوريا تساؤلات حول الخطط الأميركية العسكرية في العراق حيث يستمر التنظيم المسلح بشن هجمات متقطعة رغم فقدانه جميع الأراضي التي كان مرة يسيطر عليها في البلد .
خصوم ومؤيّدو القوّات الأميركيّة في العراق بدأوا بهدوء تقييم احتمال حدوث انسحاب أميركي آخر من البلد الذي شهد مؤخراً تبايناً بمستويات التواجد العسكري الأميركي فيه منذ الغزو الذي أطاح بنظام صدام حسين في 2003 .
الرئيس ترامب لم يعط أية مؤشرات لخطط عسكرية في العراق، كما أن القوات المسلحة الأميركية لها ترابط وثيق بالشؤون العراقية أكثر مما لها ترابط في سوريا حيث هناك شراكة بين القوات الاميركية ووحدات من قوات النخبة في الجيش العراقي. فيما الوحدات العسكرية الاميركية في سوريا تتعامل مع حلفاء كرد وعرب في أراضٍ غالبا ما تكون خارج سيطرة الحكومة .
وكما هو الحال في سوريا، فإن تنظيم داعش في العراق قد تم طرده من جميع معاقله في البلد. ولكن على النقيض مما هو الحال في سوريا، فإن نفوذ المجاميع الحليفة لإيران ينتشر أعمق عبر الاوساط السياسية والامنية للعراق، وهذه نقطة جدلية أثارها مؤيدو التواجد العسكري الأميركي في العراق .
وقال دبلوماسي غربي في بغداد تشارك دولته في التحالف الدولي ضد داعش: “هناك قلق عميق بين ضباط الجيش العراقي الذين يرون البنتاغون كمؤسسة مستقرة ولكن البيت الابيض يأتي بقرارات غير متوقعة.”
وكان ترامب قد صرح الاربعاء بنية إدارته سحب القوات الاميركية المتواجدة في سوريا، مشيرا الى ان مهمتها قد انتهت بعد هزيمة داعش في سوريا .بالنسبة للذين يعارضون التواجد العسكري الاميركي في العراق، فإن هذه الحركة تثير سؤالاً واضحاً .
قيس الخزعلي، زعيم كتائب عصائب أهل الحق، قال في تغريدة على موقعه في تويتر “داعش هزم في العراق كذلك، لماذا لا تسحبون قواتكم من العراق أيضا؟ إلا إذا كان هناك سبب آخر يدعوكم لإبقاء قواتكم هنا .”
محللون وبعض المسؤولين العراقيين قالوا ان قرار واشنطن المفاجئ حول سوريا سيعزز من قوة العناصر الموالية لإيران للضغط تجاه سحب القوات الاميركية من العراق. مؤيدو التواجد الاميركي حذروا من أن أي سحب للقوات من شأنه أن يعرّض المكاسب المتحققة ضد داعش للخطر، وستضعف من جانب آخر أداء القوات العراقية التي تعتمد كثيرا على التدريب والإسناد الاميركيين .
قرار ترامب حول سوريا، كما يقول منتقدون، يوحي بأن إدارته تنظر الى الصراع ضد داعش من جانب عسكري بحت لا غير .ريناد منصور، خبير بالشأن العراقي من مركز جاثام هاوس للبحوث في لندن يقول: “من المؤكد أن يثار القلق في العراق ، خصوصاً أن الحل السياسي لاجتثاث جذور داعش لم يعالج بعد. في قسم من أجزاء العراق حيث مؤسسات الدولة ماتزال غير موجودة فيها فإن تنظيم داعش يخطط لإعادة ظهوره فيها.”
مسؤولون أميركان ذكروا سابقا بأن هناك حاجة لتحالف عسكري أميركي مع القوات العراقية لتجنب تكرار ما حدث عام 2014 عندما انهارت وحدات الجيش أمام زحف داعش وتسبب ذلك بسقوط الموصل، ثاني اكبر مدن العراق بيد التنظيم .
في تشرين الثاني الماضي أصدر المفتش العام لوزارة الدفاع الاميركية تقريراً يدعو لليقظة والانتباه وهو ان القوات العراقية ستكون بحاجة لسنوات إن لن تكن عقوداً لتتمكن من الاعتماد على نفسها .
وجاء في التقرير: “الضعف المنهجي ما يزال قائما، وهو نفس الضعف في عدم الكفاءة الذي مكّن تنظيم داعش من الظهور عام 2014 .”ويتواجد في العراق الآن ما يقارب 5200 جندي أميركي ــ بحسب المعلن ــ متمركزين في بغداد وقواعد عسكرية منتشرة في شمال وغرب البلاد .
اليوم تحولت القوات الاميركية من إسناد القوات العراقية أثناء المعارك الفعلية الى دور يعني بالتدريب أكثر مع الإسناد الاستخباري في عمليات مكافحة الإرهاب اعتمادا على المعلومات الاستخبارية التي تحصل عليها وهو جانب مهم جدا يعزز قدرات القوات العراقية في ملاحقة الإرهاب .
تنظيم داعش لجأ الآن ليكون تنظيماً سرياً بعيداً عن الانظار في العراق بعد ان خسر مواطئ القدم له في البلاد. وقال قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، في مقابلة أخيرة له مع واشنطن بوست ان مسلحي داعش يركزون الآن أكثر على إعادة تمركزهم في مناطق ريفية في المحافظات الخمس ذات الغالبية السنية (نينوى، الانبار، كركوك، صلاح الدين، ديالى).
وقال الساعدي “العمليات التي يقومون بها متوقعة، بعض من هجمات محدودة النطاق لا تعتبر شيئاً مقارنة بهجماتهم عام 2014 .”وقال ضباط آخرون في قوات مكافحة الإرهاب إن أي تقليص في عدد القوات الاميركية أو فقدان الدعم الاميركي للقوات العراقية سيكون مضراً جدا. وقسم يقولون إن انسحاب القوات الاميركية من العراق عام 2011 ساعد في خلق ظروف بروز تنظيم داعش .ضابط في مكافحة الإرهاب قال في حديث للواشنطن بوست طالباً عدم ذكر اسمه إن “انسحابهم من سوريا قد يعني فعلا زيادة تواجدهم هنا في العراق من أجل مراقبة سوريا. بغض النظر عن كل شيء، فإن الولايات المتحدة لن تسمح لداعش بأن يصبح أكثر قوة في سوريا.”
وقال نعيم العبودي، عضو برلمان انتخب حديثا عن كتلة قريبة من إيران، ان قرار سحب القوات من سوريا لن يكون له أي تأثير عسكري على العراق ، لأن قوات الحشد تتولى دورا بارزا في حماية الحدود العراقية.
واضاف العبودي بقوله “هذا يجب ان يكون درساً للعراق أن لا يعتمد أو يثق بالولايات المتحدة لأنهم قد ينسحبون بأي لحظة. إنهم ليسوا بالحليف الصحيح، دائما ما يضعون مصلحتم أولا حتى لو أضروا بحلفائهم. على العراق أن لايعتبرهم شركاء أو يعتمد عليهم .”