متغيرات في صناعة رئيس وزراء العراق – د.ماجد السامرائي

ليس من السهل رسم توقعات دقيقة تتعلق بيوميات العملية السياسية في العراق في ما يتعلق باختيار رئيس الوزراء في الحكومة العراقية المقبلة، ذلك لأن جزئيات الوضع السياسي تعيش على رمال متحركة لا تضبطها معطيات سياسية تقليدية ولا تحكمها ضوابط الديمقراطية البرلمانية القائلة إن الحزب الفائز بأصوات الأغلبية هو الذي يختار رئيس الوزراء ويشكل الحكومة، وإن لم تتحقق الأغلبية، يطرح حل تكوين ائتلاف.

في العراق، لا تطبق هذه الضوابط، حيث أخضعت الأحزاب المتنفذة الدستور لأجندتها وأهدافها في حصر سلطة الحكم بيدها، وتعقّد الدوافع الطائفية والضغوط الإقليمية عملية اختيار الحكومة ورئيسها.

وفق القواعد التي وضعت، بعد إسقاط نظام صدام حسين، يتولى الأكراد رئاسة الجمهورية، في مقابل تولي الشيعة رئاسة الحكومة، والسنة رئاسة البرلمان.

وعلى غرار اختيار رئيس الحكومة، شهدت عملية اختيار رئيس للبرلمان تعقيدات، انتهت باختيار النائب السني محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان، بعد أربعة أشهر من انتخابات عامة غير حاسمة وعملية مثيرة للخلاف لإعادة فرز الأصوات عرقلت إعلان نتائجها النهائية حتى الشهر الماضي.

ويحتمل أن تشهد جلسة البرلمان المقبلة في 25 من سبتمبر التصويت على اختيار رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس الحالي القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني فؤاد معصوم.

وعند اختيار رئيس للجمهورية يكون أمامه 15 يوما لتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكثر عددا بتقديم التشكيلة الوزارية خلال مدة 30 يوما.

في غضون ذلك، تستمر أزمة المرشح لرئاسة الحكومة؛ وهي أزمة تستمد أضلعها الرئيسية من التدخلين الإيراني والأميركي وتداعيات ذلك على الموقف السياسي الداخلي العراقي المنقسم بدوره، والذي يصم آذانه عن موقف الشارع الذي أعلن صراحة رفضه للتدخلات الإيرانية في السياسة العراقية، وطالب باستقلال القرار العراقي، وهو أمر يرتبط بشكل كبير بشخصية رئيس الوزراء.

الكتلة الأكبر
في عام 2010، تم ابتداع فكرة “الكتلة البرلمانية الأكبر” داخل البرلمان وليس وفق نتائج الانتخابات، لكي تزاح كتلة إياد علاوي التي فازت بـ91 صوتا مقابل كتلة نوري المالكي التي حصلت على 89 صوتا.

تكرر هذا السيناريو في انتخابات 2018 حيث فازت كتلة مقتدى الصدر (سائرون) بأعلى الأصوات لكنها اضطرت إلى انتظار تحالفاتها مع الكتل الأخرى لصياغة الكتلة الأكبر، وسط تعقيدات الصراع وانقسام الكتل الشيعية الذي رسخه الفشل في استيعاب انعكاس الخلافات الإيرانية الأميركية على مصير الحكومة المقبلة في بغداد.

وتشير التطورات السياسية في المشهد العراقي إلى حصول متغيرات لوجستية تحرك الأجواء الحالية للوصول إلى الخيار النهائي للرئاسات الثلاث، وهي لا تخرج عن المحاصصة الطائفية، لكن بثوب جديد:

أزمة حزب الدعوة: فقد حزب الدعوة قدرته على الهيمنة على الساحة الشيعية الحاكمة بسبب فشله في إدارة الحكم وفساد غالبية كوادره بمغريات السلطة، وظهور قوة سياسية منافسة جديدة، هي الميليشياوية المسلحة ذات الولاء المعلن لطهران وحصولها على أصوات برلمانية مهمة وذات تأثير تمكنها من اللعب السياسي.
وانعكس هذا التطور على قضية اختيار رئيس الوزراء المقبل، في ظل الخلاف بين حيدر العبادي ونوري المالكي.

وكشف عن عمق  حالة التشظي هذه وتأثيراتها على الحزب بيان صدر عن مجموعة تطلق على نفسها اسم “مجموعة إنقاذ حزب الدعوة” (مكونة من عبدالحليم الزهيري وطارق نجم وصادق الركابي)، جاء فيه “دخلنا الآن مرحلة أخرى لا نعلم مدى خطورة تداعياتها السلبية على الدعوة والدعاة”.

أخطأ حزب الدعوة لأسباب ذاتية فردية في عدم دعمه لترشيح حيدر العبادي، وبدلا من ذلك روجت الكثير من حملات التشويش عليه بقصة علاقته بالأميركيين، وهو تشويش مصدره الجهات المرتبطة بإيران التي تسعى إلى فرض رئيس وزراء موال لها

تجعل هذه الحالة التي وصل إليها حزب الدعوة من قضية ترشيح أحد من بين صفوفه بالغة الصعوبة رغم ترديد بعض الأسماء مثل صادق الركابي وفالح الفياض وطارق نجم.

لقد أخطأ حزب الدعوة لأسباب ذاتية فردية في عدم دعمه لترشيح حيدر العبادي، وبدلا من ذلك روجت الكثير من حملات التشويش عليه بقصة علاقته بالأميركيين، وهو تشويش مصدره الجهات المرتبطة بإيران التي تسعى إلى وضع رئيس وزراء موال لها.

ولاء السياسيين السنة والدعم الكردي: كشف ما حصل في الانتخابات الأخيرة قدرة المال السياسي على التحكم بمسارات السلطة. فقصة الفساد تبدأ من حلقات الفوز الانتخابي ثم توزيع السلطة وصولا إلى توزيع المغانم الانتخابية.
لهذا ظهرت شخصيات سنية جديدة بعضها لها ولاءات للحكم الشيعي أو اعتقدت أنها قادرة على إدارة لعبة الولاء بالمال والنفوذ بين الأوساط الشعبية لإزاحة بعض الزعامات التقليدية التي لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات الإيرانية في العراق.

لكن الشخصيات المطلوبة فعلا، هي تلك التي على شاكلة حيدر العبادي، يد مع طهران والأخرى مع الولايات المتحدة في آن واحد، وهذا ما حصل عند حل عقدة رئاسة البرلمان الجديد.

أما الأكراد، فالمناورة السياسية أصل علاقتهم ببغداد، وهم اليوم يتابعون ويراجعون وعود الطامحين في منصب رئيس الوزراء وسط حذر من الخديعة وبحث عن ضمانات جدية.

مظاهرات البصرة: تركت الاحتجاجات التي شهدتها محافظة البصرة تأثيرها المباشر على المشهد السياسي المرتبك بعد الانتخابات.
في أزمة البصرة ومظاهراتها سقط شهداء في مواجهات غير متكافئة ما بين الجهات الأمنية والعسكرية وبين المتظاهرين السلميين، وهناك معتقلون من المتظاهرين متهمون بما سمته الجهات الرسمية “أعمال شغب” إثر حرق مقرات الأحزاب ومقر القنصلية الإيرانية بالبصرة.

واستغلت إيران قصة حرق قنصليتها لتوجه الميليشيات الموالية لها ببسط نفوذها المسلح في المدينة وقمع المظاهرات، مدعية أن لديها قوائم من بين شباب البصرة متهمين بذلك.

مواجهة إيرانية أميركية
وجدت إيران ضرورة استخدام الولاءات التي اشتغلت وتعبت عليها كثيرا ليس في الميدان الشيعي حسب، وإنما أيضا في الميدانين السني والكردي، وهي تواجه واشنطن اليوم داخل العراق ليس بالشيعة فقط وإنما بالسنة والأكراد أيضا.

وفق بدعة “الكتلة الأكبر”، الكتلة الشيعية الموالية لإيران هي “الأكبر” وعمليا هي التي تغلبت في اختيار رئيس البرلمان (السني) على كتلة “الإصلاح” وهي الطريقة ذاتها التي سيتم فيها اختيار رئيس الوزراء.

وهناك تسريبات تتحدث عن وجود ممثل عن حزب الله اللبناني لعب دورا مهما في اختيار رئيس البرلمان الجديد واسمه محمد الكوثراني، تسلم ملف الميليشيات العراقية بطلب إيراني وهو الذي يلقب بـ”جامع الفرقاء الشيعة” في العراق.

وسبق للكوثراني أن زار بغداد عدة مرات ومازال يشتغل على ملف الرئاسات لدعم جهود الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني.

قوى الهيمنة السياسية الجديدة في العراق ذات أذرع عسكرية قتالية لديها القدرة على مسك الشارع بقوة السلاح. وبالتالي، يبدو أن إيران كسبت جولة صناعة الدورة الجديدة في سلطات الحكم، فيما فشل مبعوث الرئيس الأميركي بريت ماكغوري.

ويقال إن هناك صفقات خفية قد تمت معبريت ماكغوري، وسيكون رئيس الحكومة  من البيت السياسي الشيعي، وفق نظام المحاصصة التقليدي، وستراعى في خياره متطلبات المرحلة الجديدة وشروط المرجعية الشيعية وبالحدود الدنيا ألا يكون محسوبا على مافيات الفساد أو مجّربا بالفشل، وقد يكون معروفا باستقلاليته.

ومن المستبعد أن يكون من حزب الدعوة، هذه مواصفات عامة ومفاجآت الوضع السياسي اليومية قد تعرض اسما ليس ممن يتم تداول أسمائهم.