البغدادية – متابعات
سجلت المظاهرات الجماهيرية في غزة -تحت عنوان “مسيرة العودة الكبرى” وبقيادة اللجنة العليا التي تضم مؤسسات حقوقية ومجتمعا مدنيا وفصائل وطنية وإسلامية- تطورا مهماً، ولكن الوصول إلى النجاح يتطلب مثابرة وصبرا وتضحية، والحرص على ألا تخرج الحملة عن مسارها أو يتم تسييسها لصالح هذا الطرف أو ذلك.
انطلقت الحملة السلمية -التي تعتبر من التراث النضالي الفلسطيني- في ذكرى “يوم الأرض” 30 مارس/آذار الماضي، ومن المقرر أن تصل ذروتها في يوم الذكرى السبعين للنكبة الموافق 15 مايو/أيار القادم، وذلك لتسليط الضوء ليس فقط على الموضوع الرئيسي -وهو العودة- ولكن على كل ما يتعلق بالحصار وغياب الأفق السياسي.
لا تعتبر المظاهرات السلمية والعمل الوطني غير العنيف أمراً جديداً على الشعب الفلسطيني؛ بل هناك أحداث كبرى تدل على وجود واستخدام أساليب الكفاح اللاعنفي فلسطينياً.
“لا تعتبر المظاهرات السلمية والعمل الوطني غير العنيف أمراً جديداً على الشعب الفلسطيني؛ بل هناك أحداث كبرى تدل على وجود واستخدام أساليب الكفاح اللاعنفي فلسطينياً. وذلك ابتداءً بإضراب الأشهر الستة عام 1936؛ ومروراً بقرارات مقاطعة الاستيطان وبضائعه، وإضرابات السجناء عن الطعام وعدم الالتزام بالتوقيت الإسرائيلي، وغيرها من أشكال اللاعنف “
وذلك ابتداءً بإضراب الأشهر الستة عام 1936؛ ومروراً بقرارات مقاطعة الاستيطان وبضائعه، وإضرابات السجناء عن الطعام وعدم الالتزام بالتوقيت الإسرائيلي، وغيرها من أشكال اللاعنف التي كان أهمها فعاليات الانتفاضة الأولى؛ وانتهاءً برفض دخول المسجد الأقصى (صيف 2017) بشروط أمنية إسرائيلية واهية، وإغلاق كنيسة القيامة احتجاجا على فرض الضرائب على الكنائس في فبراير/شباط الماضي.
وقد سجل العديد من المفكرين والمناضلين الفلسطينيين أسماءهم من خلال الاحتجاجات اللاعنفية،
وقد نتج عن ذلك أن غالبية من دعاة الكفاح اللاعنفي عانوا من الإبعاد والسجن؛
هناك عدد كبير من الجنود المجهولين والقادة الفلسطينيين غير المعروفين، الذين كان لهم دور مهم في الكفاح اللاعنفي، وقد يكون سبب نجاح أعمالهم هو عدم ظهورهم العلني؛ مما وفر لهم العمل الفعال دون التعرض لخطورة الاعتقال والقمع والإبعاد.
إن غياب إستراتيجية متكاملة وخطط مدروسة وتطبيق حاسم لشروط الكفاح اللاعنفي، الذي يتطلب مثابرة وطول نفَسوعدم التراجع عند الخسائر الأولى؛ قد يكون السبب في غياب نتائج ملموسة لدى الممارسين للكفاح غير العنيف.
فمن أساسيات الكفاح اللاعنفي قناعةُ المشاركين فيه بأن ممارستهم النضال غير العنيف لا يلزم الطرف الآخر، وأن التضحيات قد تأتي بسبب استخدام اللاعنف في محاولة الطرف الآخر وأد الكفاح قبل أن يصل إلى مستويات كبيرة وضخمة عددياً.
وفي ظل عدم التوازن السياسي والأمني والمالي الحالي؛ فإن التضحيات التي تنتج عن الكفاح اللاعنفي أقل بكثير من خسائر الكفاح المسلح، التي لا ترافقها نفس الفوائد التي يتم الحصول عليها بالنضال السلمي.
ويؤكد المفكرون في مجال كفاح اللاعنف أن أهم مزاياه تكمن في استقطاب الرأي العام الدولي؛ فالكفاح الشعبي السلمي له فرصة كبيرة لحشد الدعم لقضية فلسطين العادلة، وسحب التعاطف والتأييد من إسرائيل وسياساتها.
وهذا التعاطف والدعم مبني -بالدرجة الأولى- على نقض الرواية الدارجة عالميا، والتي تعتبر أن إسرائيل تواجه تهديدات عسكرية لوجودها وكيانها، لا يملك العالم -بعد مجازر الحرب العالمية الثانية- أن يسمح بتكرارها.