بروفايل :الخشلوك! بقلم / د. حميد عبد الله

لم تكن قلعة سكر مدينة ترفل بالضوء والبذخ والتطور.. حالها لا يختلف عن مثيلاتها الجنوبيات.. مسحوقة.. مهملة.. ترك الفقر والتخلف آثارا قاسية عليها!

في نهاية عقد السبعينات، وفي لحظة كان العراق يجتاز منعطفا خطيرا في مساره السياسي والتاريخي غادر الشاب عون حسين الخشلوك قلعة سكر متجها إلى حيث يتطلع الشباب لصناعة مستقبل يحلمون به.. إلى أوربا الشرقية من غير أن يكون له من يسنده أو يأخذ بيده في عواصم يضيع فيها من يفقد بوصلته وهديه.

كان والده رجل أعمال ناجحا يوم كان أمثاله يعدون على أصابع اليد الواحدة في الناصرية!

بين عام 1978 وعام 2006 ثلاثة عقود إلا نيفا، عقود تكفي بأن تغير الأنفس والجلود والطباع أيضا!

في تموز عام 2006 بينما كنت جالسا في مقر قناة البغدادية في مصر هاربا من مسلخ العراق تعرفت لأول مرة على الدكتور عون الخشلوك!

صدمتني بساطته، وأدهشتني عفويته النابعة من جنوبية عراقية لم تفلح عقود الاغتراب من إضعافها في دواخله فظلت طاغية على ما سواها!

إذا عد الأثرياء الكبار فالخشلوك يتصدرهم، لكنه ليس ميالا إلى النجومية والشهرة فحذف اسمه من قائمة الأغنياء، أو لم يكن متحمسا لإدراجه فيها على الأقل، تواضعا أو حرصا على أن يظل قريبا للناس بعيدا عن المظهرية و الأبهة.

ارتبط اسم الخشلوك بفضائية البغدادية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدى عقد مضى، وكل يسأل عن تمويلها وغاياتها والخشلوك يستمع لما يقال غير آبه بشيء سوى أن تبقى البغدادية ثابتة راسخة ممسكة بالحقيقة كالماسك على الجمر!

له في كل عاصمة قصر، وفي كل بلد مساحة من الاستثمار لكن أحب البيوت إلى نفسه هو بيت أهله في قلعة سكر!

سمعته مرة يقول في جلسة خاصة: نريد شيعة يرفعون رؤوسنا بالنزاهة والوطنية وحسن الأداء، أما من يسيئون لنا وللعراق بالفشل والفساد فأولئك أعداؤنا حتى لو كانوا اقرب الأقرباء.

الأثرياء لا يبكون إلا حين تضيع ثرواتهم أو يتعرضون لانتكاسات مالية قاصمة أما الخشلوك فقد رأيت عينيه مغرورقتين بالدموع مرات كثيرة ليس حرقة على ثروة ضاعت، أو صفقة خسرت، بل تفجعا على طفل يتيم، أو عراقية ثكلى، أو شيخ أحنى الدهر ظهره ولم يجد من يرحم شيبته!

جرت العادة أن يخطب الأثرياء ود السلاطين ويتقربون زلفى إليهم أما الخشلوك فان السلاطين هم من يتقربون إليه فيتحاشاهم لكي لا يضطر ذات لحظة أن يلجم كلمة حق يجب أن تقال ضدهم!..