التظاهر “السلمي” ضد حكومة الاحتلال في العراق – حامد الكيلاني

ثورة الجنوب أينعت في توصيف يتسم بالوضوح للحرب الأهلية في العراق واحتجزته في فكرة الصراع بين النظام الحاكم بما يمثله من إرادة المحتل الإيراني وبين إرادة الشعب، بعد أن تكشفت مهماته عن مجلس لإدارة الأعمال الخاصة بالفتن والعنف. مجلس يفتقد للهوية الوطنية والإنسانية ويتلون مع متطلبات الحال، إن في التمسك بفقرات الدستور حد التقديس، أو في التحول عنها إلى المرجعية المذهبية عند الحاجة، أو بالرجوع لقانون دولتهم أو أحزابهم مع عودتهم الدورية للاستناد على حائط الديمقراطية والانتخابات واللجوء شبه الدائم إلى الميليشيات كحلول فاعلة لحل أزماتهم مع الأفراد والمجموعات.

نثريات القتل تتواصل بتوزيع هباتها على العراقيين، فالكل تحت مرمى النيران من موظفين ومعلمين وأطباء ومهندسين أو ناشطين، تختلف الأسباب لكن الأصل يكمن في تخريب النفوس والذمم وعدم احترام الحياة؛ وما استنفار الميليشيات لقمع التظاهرات والاستعانة بقوات مكافحة الشعب وآلياتها وتحريك قطعات عسكرية من مناطق تواجدها الملحة أمنيا، إلا مظاهر خوف وطوارئ قصوى عند النظام وأتباع المحتل لشعورهم بضياع وتلاشي وانسحاق الخط الأحمر لأوهامهم وأمراضهم الطائفية تحت أقدام المتظاهرين.

لكن كيف لهم احتواء الغضب وتدجينه وإدخاله إلى بيت الطاعة والتهدئة؟

ابتداء سعت الأحزاب والميليشيات إلى تحريك فيلق الإعلام الذي يشبه واجبات فيلق القدس في الحرس الثوري، حتى من كان منهم خارج النظام أو خارج الحدود يسعى لإيقاف التظاهرات عند حدود معينة لا ينبغي تجاوزها، ولهذا شاهدنا تجمعات في دول أوروبية أو في ولايات أميركية تصطف إلى جانب الحكومة وسط استغراب بعض وسائل الإعلام رغم تجاهل الأغلبية منها لأخبار الاحتجاجات.

سرعان ما استبدلت السلطة الحاكمة عبارة “قمع الانتفاضة والمتظاهرين” بعد تحققها على الأرض وسقوط الشهداء والجرحى، بعبارة “قمع المندسين في التظاهرات” وإعادة تدوير المصادر الجاهزة للتهم الرائجة وضخها في الشارع من خلال لقاءات وزعت فيها المخاوف الطائفية مجدداً مع حزمة من الوظائف الفضائية التي تثقل خزينة الدولة المتهرئة بالفساد.

نتائج التحركات المشبوهة في تشويه حركة الاحتجاجات ظهرت في نشاطات السياسيين حتى المنتهية صلاحياتهم في مرجعياتهم الحزبية أو الوظيفية الذين يأملون برضا ولاة الأمور، وظهرت كذلك في تراجع بعض رؤساء العشائر عن مواقفهم في إسناد مطالب المتظاهرين.

ما الذي حصل؟ الأسباب متعددة من بينها مقتل من يدافع عن المعتقلين في المحاكم أو من يعالج الجرحى، في إشارة صادمة إلى ما هو قادم من جرائم الميليشيات عدا عن حجم التضحيات بين المتظاهرين، وأيضا الكفالات وإجراءات إطلاق سراح المحتجزين بالضمانات والتعهدات الشهيرة في أقبية الدول الفاشية.

تظل لعبة التهديد الطائفي هي الأخطر، لذلك لجأت الأحزاب إلى الإشارة إلى قصدية قطع الكهرباء عن مدن الجنوب وبالذات المدن الدينية، لغايات الانتقام الطائفي المقابل في اتهام صريح لوزير الكهرباء، إضافة إلى توفير كل المبررات للقيام برد فعل ضد المتظاهرين بحجة انحراف الاحتجاجات عن مساراتها المطالبة بالخدمات.

تظاهرات يراد لها أن تكون بقياسات خطب وأحاديث حديقة هايد بارك اللندنية في يوم العطلة، وألا تُنظم إلا بأوامر من السلطة وألا تتجاوز في هتافاتها وشعاراتها وتصرفاتها حدود اللياقة والتهذيب، حتى لا تتهم بالتحريض من قبل المندسين.