ما كادت أزمة تصدير الكتاب العراقي ومحاصرة الناشرين العراقيين ومنعهم من المشاركة في المعارض الدولية بسبب تعليمات بالية صدرت في عهد النظام السابق، أيّام كان الحصار وأزمة الورق متفاقمة، وما كادت تلك الأزمة تتراجع وتخف وطأتها، بعد أن نجح المثقفون والناشرون العراقيون بالضغط على الجهات الحكومية التي اضطرت إلى إلغاء تلك التعليمات، حتى تعرض الكتاب العراقي لأزمة خطيرة من جديد تمثلت هذه المرّة في معاملته أسوة بالسلع التجارية وفرض تعريفة جمركية باهظة على دخوله إلى الموانئ والمنافذ الحدودية العراقية بلغت 17 بالمئة، وإذا ما علمنا أن 90 بالمئة من الإصدارات العراقية الجديدة تُطبع في مطابع بيروت ودمشق وعمّان، نتيجة لتردي المطابع العراقية وإهمالها وعدم مواكبتها للتقنيات الحديثة، فإن حجم الضرر الذي سيتعرض له الناشرون العراقيون سيكون كارثيا، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أسعار الطباعة المرتفعة وحدّة المنافسة في أسواق الكتاب العربية.
إن تلك القرارات المجانية والبعيدة عن الموضوعية التي لا تراعي خصوصية المنتج الثقافي وهشاشة سوق الكتاب وحاجته الدائمة للدعم المادي والمعنوي، ستحدّ بالضرورة من تطلع الناشرين العراقيين للدخول إلى الأسواق العربية ومعارض الكتاب الدولية، هذا التطلع الذي يتطلب فهما متقدما ودراية واسعة ونظرة متطورة وعميقة وإدراكا لمعنى الثقافة وخطورتها، ومثل هذه المتطلبات لا يمتلكها أغلب المسؤولين العراقيين الحاليين من غير المتخصصين الذين جاءت بهم الأحزاب الإسلامية ونصّبتهم في مواقع إدارية مهمة تتحكم بمصير البلد ومفاصله المهمة.
شخصيا لا أتوقع خيرا سيصيب الثقافة العراقية وتأسيساتها المختلفة، بعد أن بدأ عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء الجديد، عهدة بتوجيه إهانة كبرى لها بواسطة ترشيح أحد الدخلاء على الجسد الثقافي وزيرا للثقافة، وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه كما يقال، فإن بوادر الفشل والخطل قد لاحت بواكيرها منذ الوهلة الأولى لتأسيس الحكومة الجديدة، طالما هناك فهم قاصر لقضية الثقافة وخطورتها ودورها في تأصيل الحالة العراقية المتشرذمة والمفككة منذ الاحتلال الأميركي للعراق حتى اللحظة الراهنة.
إن قرار دائرة الجمارك الأخير بشأن استيراد الكتاب، لم يأتِ من فراغ في الحقيقة، بل هو محصلة لتلك السياسات الخطلاء والأمية المنتشرة في أوساط المسؤولين الجدد الذين لا يميزون بين الكتاب كمنتج فكري إنساني والطماطم كسلعة استهلاكية ينبغي فرض الضرائب المرتفعة عليها من أجل حمايتها. ومن هذا المكان، أطالب كافة المنظمات الثقافية والاتحادات، بما في ذلك اتحاد الأدباء العراقيين واتحاد الناشرين العراقيين والمنظمات الرديفة، بتوجيه نداء إلى المنظمات الدولية ومنظمة اليونسكو لحماية الثقافة العراقية من الهجمة المتخلفة التي يشنّها عليها الساسة الجدد الساعون للاستحواذ على المناصب ونهب المال العام وتبديد ما تبقى من بنية الدولة العراقية المنهكة.
لقد شهدت صناعة الكتاب العراقي في العقدين الأخيرين قفزة كبيرة نتيجة لتخلصها من القوانين والتعليمات السابقة، الأمر الذي يؤكد نزعة الفرد العراقي للقراءة والاطلاع والبحث عن المعرفة، كما هو عهده دائما، على الرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والمعيشية، بل إن سوق الكتاب العراقي أصبح محطّ أنظار دور النشر العربية الكبرى وتطلعها للتوزيع والبيع والانتشار، بعد النجاح الملحوظ الذي سجلته الدورة الأخيرة لمعرض بغداد الدولي للكتاب والمشاركة العربية الواسعة فيه والأصداء الطيّبة التي تركها في أوساط المثقفين والناشرين العرب.
وكما لو كان المسؤولون العراقيون قد تطيروا حسدا من نجاح الفعاليات الثقافية المتصاعدة، فقرروا التدخل بطريقة مشينة للحدّ من تلك النجاحات التي تفضح سعيهم لنشر تقاليد التخلف وكل ما يحطّ من قدر الإنسان العراقي وتطلعه لحياة حرّة كريمة.
محمد حياوي
العرب اللندنية