العرب اللندنية: الاحتجاجات تزيد الضغوط على العبادي

توشك الاحتجاجات الشعبية في جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية ضد الفساد وسوء الخدمات والبطالة على دخول يومها العاشر، ملقية بثقلها الكبير على رئيس الوزراء حيدر العبادي وسط عجز تام لحكومته عن تهدئة المتظاهرين.

يأتي هذا فيما تلوح في الأفق سيناريوهات مختلفة بشأن الاستجابة لطلبات المحتجين، أبرزها إقالة وزيري الكهرباء قاسم الفهداوي والموارد المائية حسن الجنابي لامتصاص الغضب، وإسراع القوى السياسية بتشكيل الحكومة الجديدة لملء الفراغ السياسي الذي حدث بعد الانتخابات التشريعية العامة التي جرت في يوليو الماضي.

وشملت الاحتجاجات معظم مدن وسط وجنوب العراق الغني بالنفط، حيث يسجل الدخل العام للسكان مستويات متدنية. وخيم العنف على مشهد الاحتجاج منذ البداية، في إشارة إلى سأم السكان من واقع الفساد الذي تغرق فيه الأحزاب السياسية.

وتحت وطأة الاحتجاج، توحّدت مصالح الأحزاب السياسية مع مصالح أجهزة الدولة المختلفة، إذ كان كلاهما هدفا لغضب المتظاهرين في مناطق مختلفة.

وبدا واضحا لدى الطبقة السياسية تراجع أهمية الجدل الذي صنعته اتهامات تزوير الانتخابات، لصالح الاهتمام بمستقبل حركة الاحتجاج.

ويقول نشطاء إن مصالح الأحزاب السياسية في العراق المتورطة في الفساد، هي أهداف معلنة للمظاهرات.

ويقارن النشطاء المستوى المعيشي لسكان دول الخليج بمستوى الحياة في بغداد. ويقول هؤلاء إن “نفط الخليج حوّل السكان هناك إلى ملوك وأمراء، فيما حوّل النفط العراقيين إلى فقراء”.

لذلك، لا تلقى الكثير من الدعوات الموجهة إلى المتظاهرين بالامتناع عن تعطيل ضخ النفط وعدم الاقتراب من مؤسسات الدولة أو المنشآت النفطية آذانا صاغية.

ومنذ اللحظة الأولى، حاولت أطراف سياسية مختلفة ركوب موجة الاحتجاج، التي أطلق شرارتها انقطاع التيار الكهربائي. ولكن المحتجين برهنوا على استقلاليتهم السياسية، عندما أحرقوا مقرات عدد من الأحزاب في النجف والعمارة والسماوة والناصرية.

وسعت الحكومة العراقية إلى محاولة تحجيم أثر الاحتجاجات ومنع اتساعها، فلجأت إلى قطع خدمة الإنترنت في جميع مناطق البلاد.

ومع أن انقطاع الإنترنت أثر بشكل واضح على قدرة النشطاء على تنسيق جهودهم لتنظيم المظاهرات، إلا أن أثره كان عكسيا في بعض المناطق، إذ دفع بالكثير من السكان إلى الشارع.

وشكل لجوء الحكومة إلى حجب الإنترنت مؤشرا واضحا على التداعي الكبير الذي تعيش فيه الطبقة السياسية في العراق.

وحاولت وزارة الاتصالات تبرير انقطاع الخدمة بحدوث عمليات قطع في بعض خطوط الإمداد، بالتزامن مع اتساع حركة الاحتجاج.

وتقول مصادر سياسية في بغداد لـ”العرب” إن “التظاهرات تحولت إلى مصدر رعب للكثير من الساسة والمسؤولين في البلاد، لا سيما مع توالي الأنباء عن قيام المحتجين بإحراق مقار حزبية ومنازل تملكها شخصيات سياسية”.

وتضيف المصادر أن “العشرات من كبار الساسة والمسؤولين العراقيين نقلوا عوائلهم عبر مطار بغداد الدولي إلى بيروت وإسطنبول، تحسبا لأي طارئ”.

وتوضح أن هناك اتجاها سياسيا صاعدا في بغداد، يدفع باتجاه حسم مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة سريعا، تحسبا لازدياد ضغط الاحتجاج وخروجه عن السيطرة.

ويستبعد مراقبون أن تؤدي الاحتجاجات المتصاعدة في مختلف محافظات العراق إلى إسقاط الحكومة، ليس فقط لأن حكومة العبادي تحتمي بأسوار المنطقة الخضراء المحصنة، بل لأن أسلوب الحكم المتبع في العراق لا يقر بإمكانية قيام الشعب بنزع الشرعية من الحكومة.

وتتداول المصادر معلومات عن إمكانية الإعلان سريعا عن تصديق نتائج الانتخابات العامة، والبدء في مشاورات عاجلة يعقبها انعقاد البرلمان الجديد والإعلان عن الكابينة الوزارية الجديدة.

وتؤكد المصادر أن رئيس الوزراء أبلغ الأطراف السياسية الكبيرة بأن تقديرات مؤسسات الدولة تؤكد أن حركة الاحتجاج في طريقها إلى الاتساع، طالبا تنحية خلافاتهم جانبا لتوحيد الموقف في مواجهتها. واستغل العبادي تصاعد حدة الاحتجاج لإقالة مجلس إدارة مطار النجف، بدعوى أنه ضمن مطالب المتظاهرين.

وحاول العبادي مرارا بسط سلطة الحكومة المركزية على عائدات المطار ومستلزماته الأمنية من تفتيش للطائرات وغيرها، لكنه فشل.

وعمليا، يسيطر على المطار، الذي يدر عوائد سنوية تقدر بالملايين من الدولارات، شخصان؛ الأول ينتمي إلى جناح نوري المالكي في حزب الدعوة، والثاني منشق سابق عن تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

وأعلن وزير النقل كاظم الحمامي أن المطار الذي توقف تماما عن النشاط بعد اقتحامه من قبل متظاهرين الأسبوع الماضي، عاد إلى العمل بمجلس إدارة جديد من دون أن يفصح عن أسماء أعضائه.

وتقول مصادر “العرب” إن “العبادي ربما يضطر لتقديم بعض القرابين السريعة كي ينفس ضغط المظاهرات قليلا”، موضحة أنه “قد يطيح بوزيري الكهرباء قاسم الفهداوي والموارد المائية حسن الجنابي، في حال استمرت الاحتجاجات”.

وفضلا عن مشكلة الكهرباء التي يعاني منها العراقيون عموما، يشكو أهل البصرة، على وجه الخصوص، تمددا في اللسان الملحي داخل شط العرب بسبب تدني مستوى الإطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات. وتسبب هذا التمدد في شح مياه الشرب وأضر كثيرا بالزراعة.

وسخر مراقب سياسي عراقي من التوقعات التي تتحدث عن أن يقدم وزير الكهرباء استقالته قائلا “أن يقدم وزير استقالته هو محض رهان خيالي لا أساس له في الواقع، فالوزير موجود في منصبه لا لكفاءته لكي يتعرض للمساءلة إذا ما حدث تقصير أو خلل في أدائه لواجباته بل لأنه يمثل كتلته السياسية والحزبية في الحكومة”.

وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب”، “معروف أن الأحزاب المشتركة في الحكومة لا يمكن أن يتخلى واحد منها عن حصته في ما يمكن أن نسميه بالغنيمة لأي سبب من الأسباب”، مذكرا بأنه “سبق لوزراء أن هربوا ولم يسبق لأحد من الوزراء أن استقال، بغض النظر عن الكارثة التي يلحقها وجوده في منصبه بالشعب. وهو ما ينطبق على وزير الكهرباء الحالي الذي لم تلق الحكومة عليه باللائمة أو تحمله أسباب تدهور الوضع الأمني”.

وقال إنه “إذا ما كان العبادي قد أظهر نوعا من حسن النية في محاولته الاستجابة لبعض مطالب المحتجين عن طريق تخصيص أموال لمشاريع خدمية فإن تلك الاستجابة النظرية لا تلزمه بشيء محدد. فهو يعرف أنه مغادر منصبه في وقت قريب، ذلك لأن هناك إجماعا شيعيا على رحيله، وهو يعرف ذلك جيدا. ما يدفعه إلى اللعب بأوراق لا تدينه في الوقت الضائع المتبقي له”.