رأي الكتاب
أوضاع معيشية قاسية واحتجاجات متواصلة

جاسم الحلفي

تبرز اليوم أزمة البطالة المستفحلة بشكل متزايد، ومعها المطالبة المتصاعدة بفرص عمل كأولوية غير قابلة للتأجيل، تتصدر بقية الأولويات الهامة مثل تردي الواقع الصحي في ظل تصاعد الإصابات بفايروس كورونا، الامر الذي يعكس وضع الخدمات البائس العاجز عن تأمين احتياجات المواطن الضرورية من جانب.. ومن جانب آخر جاءت تداعيات خفض القيمة الشرائية للدينار العراقي، وما خلفه من ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية والضرورية للعيش، بحيث قفزت الى أكثر من الضعف. وإنعكس هذا بصورة موجعة بل كارثية على معيشة وحياة محدودي الدخل والفئات المهمشة،   

والمفارقة المؤلمة ان الحكومة لم تُقدم على أي حل جدي، يحمي هذه الشرائح من آثار السياسات غير الإنسانية التي لم تكترث للمواطن العراقي وكرامته. أما التصريحات التي تتوعد التجار وتحمّلهم مسؤولية رفع الأسعار، فلا أثر لها على الواقع  

إن هذه الأوضاع المؤلمة التي يئن تحت وطأتها ملايين الفقراء والعاطلين عن العمل والمحتاجين ومحدودي الدخل، لا ينهيها سيل التصريحات المبشرة بـ ( الخير القادم!)   

 لا لن تتحمل الناس طويلا قسوة الأوضاع المعيشية، بل أنها ستهب مطالبة بالعيش الكريم. ولن تكون هبة المحاضرين التي إنطلقت صباح 3/4/2021 وإمتدت الى كل المحافظات بصورة منظمة، وكسبت تعاطف الشعب العراقي، وتضامن معها طيف واسع من المهتمين والناشطين والنقابيين، لن تكون الهبة المطلبية الأخيرة، التي لم تتوقف إلا بعد صدور القرار رقم 315 عن إجتماع مجلس الوزراء يوم 6 نيسان الجاري، والقاضي بتوظيف المحاضرين بصيغة عقود، ما يتيح لهم حقوقاً تقاعدية وإمتيازات تشبه الممنوحة للعاملين على الملاك الدائم. لكن القرار الذي انتزعه المحاضرون المتطوعون لن ينهِ الحركات المطلبية، بل سيحفز شرائح أخرى على تنظيم نفسها للاحتجاج والمطالبة .

ان مشكلة البطالة لن تحل بردات الفعل ولا بسياسة الصدمة او إجراءات إطفاء الحرائق، إنما يتطلب الامر التوجه نحو بناء إقتصاد حقيقي متنوع يعتمد الصناعة والزراعة، وتَبنّي سياسة تستند على توزيع عادل للثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وواهم من يتصور أن هذا الشكل من الاحتجاج بعيد عنه، فهو كمن لم يقرأ آثار الاحتجاجات على السياسات العامة. ذلك ان الاحتجاجات المطلبية هي أحد مظاهر أزمات النظام وعيوبه. وان أحد اهم دورس إنتفاضة تشرين، هو قدرتها على تحويل المطالب المعيشية والخدمية والمهنية الى مطالب سياسية جذرية مثل مطلب إسقاط الحكومة، الى جانب مطلبي محاسبة الفاسدين ومحاكمة القتلة، الذين لم يكف المحتجون عن رفعهما حتى الآن في ساحات الاحتجاج.