ترشيح يهين العقل والاخلاق والدولة…؟!

ترشيح يهين العقل والاخلاق والدولة…؟!

لم يعد في العراق ما يفاجئ!

دولة محطمة، انهيار اقتصادي، سوء خدمات،مواطن مهدور الكرامة،مؤسسات دولة لا تحل ولا تربط…؟!

ولكن…

رغم كل هذا، بقيت هناك مساحة صغيرة في المخيلة العامة تقول إن المنظومة الحاكمة، رغم فسادها، تمتلك على الأقل شعوراً بالخجل يمنعها من السقوط الأخلاقي الحرّ.

ثم جاء هذا المشهد:

رجل صنع مجده من التأجيج الطائفي، وبنى حضوره على التحريض والتهديد والكراهية واللغة المنحطة التي لا تليق حتى بأبن الشوارع …

يظهر فجأة، على طريقة “المخلّصين”، حاملاً ورقة ترشّح لرئاسة الوزراء، مصوَّراً كأنه رجل دولة يتجوّل بين زعامات الإطار، يوزّع الابتسامات ويطلب “ثقة القادة”.

هنا لم تُصفع السياسة فقط…

بل صُفِع الضمير،والوعي،والأخلاق، والإنسانية،والوطنية.

إنه المشهد الذي يختصر مثلاً عراقياً مريراً:

“من قلّة الخيل شدّوا على الكلاب سرج.”

لكن المشكلة ليست في “الكلب”… بل في من شدّ السرج، ومن اعتقد أن الشعب يمكن أن يبتلع هذا القدر من الإهانة والازدراء والاحتقار.!

من هو “المرشح”؟

هذا الشخص نفسه:

ظهر على الشاشات ليهدّد بأن الحرس الثوري الإيراني والفصائل جاهزون لابتلاع 11 محافظة عراقية إذا حدث ما لا يرضيهم (وفق ما نقلته التقارير والتسجيلات).

صدرت بحقه أوامر باتخاذ إجراءات قانونية من مكتب رئيس الوزراء بسبب تصريحات تمسّ الأمن الوطني.

دعى لرفع العلم الايراني على كل بيت عراقي.

يوصف في معظم التحليلات بأنه أداة إعلامية طائفية لا علاقة لها بالدولة، لا قانونياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً.

ثم يأتي اليوم ليقول لك:

“تفضلوا… أضع ملفي المتخم بالحقد والتهديد بيد القادة…

لعلّي أصل إلى رئاسة الوزراء.”

إنه ليس ترشحاً…

إنه تجربة مختبرية في مدى تحمّل العراقي للإهانة.

وكأن السلطة تقول:

“فلنختبرهم، هل ما زال لديهم شعور؟

هل ما زالت لديهم كرامة؟”

“هل يمكن أن نقنعهم أن النهار ليل، والجهل خبرة، والشتيمة مشروع دولة؟”

لماذا المشهد مهين.. ليس لأنه مستحيل… بل لأنه مُتعمد؟!

لا أحد عاقل يتخيّل أن الإطار التنسيقي، مهما بلغت جرأته، يمكن أن يذهب فعلياً لترشيح شخصية بهذا الحجم الأخلاقي والفكري والانساني المنحط!!!

لكن مجرد طرح الفكرة، مجرد التقاط الصور، مجرد نشر المنشور، هو بذاته رسالة:

أن السلطة فقدت صلتها بالشعب.

أن الطبقة السياسية تعتبر العراقيين مادة للاستهزاء.

إنها ليست صفعة على وجه الشعب.

الشعب أصلاً لم يعد ضمن الحسابات.

إنها صفعة على وجه الإنسانية، على أدنى مستويات الذوق، على آخر فتات الهيبة المتبقية للدولة.

حين تصبح رئاسة الوزراء في العراق منصّة مفتوحة لكل من امتلك “كاميرا” و“لغة تحريضية” و“قرباً من فصيل”، فهذا يعني أن الدولة تودّع آخر خيوط العقل.

الطائفية ليست رأياً سياسياً…

بل جوهر الخراب العراقي

حين تبني حضورك الإعلامي على:

شتم المكوّنات

تحريض المحافظات على بعضها

تغذية الكراهية

التهديد بالسلاح

ونشر الأكاذيب…

لا يمكنك ان وتقف أمام علم العراق، وتقول:

أنا مشروع دولة!؟

الدولة ليست لافتة.

الدولة ليست صورة.

الدولة ليست ورقة تسلّمها لزعيم فصيل.

الدولة مسؤولية، وضمير، وبوصلة أخلاقية.

وما رأيناه في هذه الشخصية هو نقيض الدولة، ونقيض الضمير، ونقيض أي قيمة إنسانية يمكن احترامها.

ولهذا فإن مجرد ظهور الفكرة هو انتكاسة جديدة في سياق تاريخي أسود بدأ منذ 2003 ولم يتوقف.

الفضيحة ليست في الشخص… بل في المنظومة التي سمحت له أن يقترب….؟!

لا تلوموا هذا الرجل.

هو نتاج بيئته.

بل لوموا السلطة التي:

تبحث عن وجوه …منخفضة التكلفة الأخلاقية!

تستلّ أسماء من قاع الخطاب لتجمّل بها وجهها!

وتجري اختبارات متكررة لمدى القابلية الشعبية على ابتلاع المهانة.

لقد تحولت السلطة إلى معمل تدوير نفايات سياسية، تعيد استخدام كل ما انتهت صلاحيته أخلاقياً، وتلمّعه وتعرضه على أنه “مشروع دولة”.

وهذه الفضيحة ليست سياسية… بل نفسية واجتماعية:

إنها تكشف فقدان الطبقة السياسية لأي إحساس بالخجل.

تكشف الهوة بين السلطة والمجتمع.

تكشف أن “المعايير” التي يتحدث عنها الإطار التنسيقي هي معايير لاختبار الولاء، لا الكفاءة، ولا النزاهة، ولا الوطنية.

ختاماً… ما الذي يجعل العراقي اليوم يشعر بالاحتقار؟

ليس الفساد وحده.

وليس انهيار الخدمات وحده.

وليس الفشل الأمني ولا الاقتصادي.

بل شيء أعمق:

شعور بأن السلطة تنظر إلينا كأرقام… بلا ذاكرة، بلا كرامة، بلا غضب، بلا صوت.

وأنها تعتقد فعلاً أنها تستطيع أن “تبيعنا” أي شيء…

حتى لو كان ترشيحاً من هذا النوع.

والحقيقة المؤلمة؟

أن هذه المنظومة لا تسعى لبناء دولة…

بل تسعى فقط لبناء واجهة توهم العالم أن هناك “سياسة” في العراق.

أما الواقع فهو واضح جداً:

دولة محطّمة، مجتمع منهك، سلطة منفصلة عن كل ما هو إنساني…

ومرشح لكرسي رئيس الوزراء خرج من أعمق سرداب في الخطاب الطائفي والتحريضي.

إنها ليست أزمة سياسية.

إنها إهانة وطنية مكتملة العناصر.