يتذيل العراق كل عام تصنيف الدول في مؤشر حرية الصحافة العالمي، إذ احتل عام 2021 المرتبة 163 بين 180 دولة ضمن المؤشر الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود.
ويعد العراق ضمن قائمة الدول الأكثر خطراً بالنسبة إلى العمل الصحافي، فالاعتقالات والخطف والقتل هو ما يواجه العاملين في مؤسسات السلطة الرابعة. وقد تصاعدت وتيرة التهديدات التي تطال الصحافيين من قبل الميليشيات بشكل جلي بعد احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وفي هذا السياق، تعرضت قناة “البغدادية” للإيقاف أكثر من مرة، وهي عرفت بسياستها المؤيدة لحراك أكتوبر، منذ انطلاقه، وتسليطها الضوء بشكل دائم على قضايا الفساد. وآخر هذه الإغلاقات، كانت أمس الثلاثاء، إذ دخلت قوة ترتدي الملابس العسكرية وادعت أنها من الاستخبارات إلى مبنى القناة في منطقة الوزيرية في بغداد، وقامت بإغلاقها ومنع البث واعتقال مقدم البرامج علي الذبيحاوي ومدير الأخبار طه خليل.
ضد الميليشيات
يرى المحرر في قناة “البغدادية” سلام الحسيني أنه من الطبيعي أن تتعرض القناة للغلق، “كونها لا تضع خطوطاً حمراء، فسياستها في الأخبار والبرامج تتعلق بفتح ملفات الفساد والوقوف ضد الميليشيات وقوى اللادولة. كما أنها لا تستضيف أياً من الشخصيات التي تورطت أيديها بالدم العراقي”.
ويضيف أن القناة “تتعرض للتهديد بشكل دائم من أجل تغيير سياستها والتوقف عن مهاجمة شخصيات معينة”، موضحاً أن وقف البث يعود إلى “سبب سياسي”.
ويشير الحسيني إلى أن هيئة الاتصالات والإعلام، بضغوط سياسية من أحزاب معينة تتعمد التسويف من أجل عدم حصول القناة على إجازة العمل، على الرغم من أن القناة تمتلك الأمر القضائي للسماح لها بالبث.
وفي السياق نفسه، يوضح الصحافي حسن نبيل أن عدم حصول القناة على إجازة العمل منح الذريعة لجهات معينة للتهديد بإغلاق القناة بين فترة وأخرى “للتضييق على سياستها المعروفة بمحاربة الأحزاب والمفسدين وكل من يقتل الشعب العراقي”.
تكرار الإغلاق
ويقول مدير القناة رياض الإسماعيلي لـ”اندبندنت عربية” إن “القضايا التي اتهمت بها القناة، حتى عندما كانت تبث من مصر، تحمل في ثناياها الطابع السياسي”.
ويضيف “في عام 2014، صدر قرار خلال حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بإيقاف البث، بعدما أرسلت الحكومة العراقية بياناً لهيئة الإعلام المصرية اتهمت فيه قناة البغدادية بأنها (قناة شيعية وتروج للفكر الشيعي المتطرف)، وقد أقامت القناة دعوى مضادة ضد هيئة الإعلام والاتصالات وكسبت القضية، لكن الهيئة لديها لجنة قضائية خاصة لم تعترف بعملية الطعن، فبقي القرار ساري المفعول”.
ويشير الإسماعيلي إلى أن القوات التي اقتحمت القناة أعلنت أنها تابعة لاستخبارات الشرطة، وبعدها ادعت أنها تنتسب إلى قوى مكافحة الجريمة وغسيل الأموال، متسائلاً عن علاقة الجريمة وغسيل الأموال بقناة “البغدادية”.
الأمر القضائي غير كاف
وعن عدم حصول القناة على إجازة عمل، يقول القانوني علي التميمي، إن حصول الجهة الإعلامية على الأمر القضائي للبث يتيح لها البدء أو الشروع بالإجراءات الخاصة برخصة العمل أو “عقد الرخصة”، كما يسمى في قانون هيئة الإعلام والاتصالات رقم 65 لسنة 2004.
ويوضح التميمي لـ”اندبندنت عربية” أنه بعد حصول الجهة الإعلامية على الأمر القضائي، عليها أن تبدأ بالإجراءات الإدارية الملزمة لها من قبل هيئة الإعلام والاتصالات، التي تتعلق بدفع المستحقات المالية التي تتمثل “بالحجز على القمر الصناعي والإشارة، ومن ثم العقد وشروط العمل وقواعد السلوك الإعلامي”، وهذا ما يسمى بـ”عقد الرخصة بين الجهة الإعلامية وهيئة الإعلام والاتصالات”. عليه، فإن حصول الجهة الإعلامية على الأمر القضائي مع أنه يجيز لها العمل، لكنه غير كاف لمتطلبات الشروع به.
في المقابل، يوضح حسين الشمري، مدير دائرة العلاقات العامة في هيئة الاتصالات والإعلام، أنه في عام 2014 صدر قرار قضائي بإغلاق قناة “البغدادية”، وعدم السماح لها بمزاولة عملها على الأراضي العراقية، وهو قرار لا يزال ساري المفعول، وفق مجلس الطعن (مجلس ضمن هيكل هيئة الإعلام والاتصالات يتكون من قضاة يعينهم مجلس القضاء الأعلى).
ويقول الشمري لـ”اندبندنت عربية” إنه على الرغم من أن قرار المنع ساري المفعول، إلا أن “البغدادية” عادت لمزاولة عملها، وإغلاقها هو تنفيذ للأمر القضائي، فضلاً عن عدم التزامها لائحة قواعد البث الإعلامي الصادرة عن الهيئة والملزمة للجميع.
لكن صحافيين يقولون، إنه في حال وجود مخالفات فنية أو إدارية، كان بالإمكان إغلاق القناة من دون اعتقال موظفيها.