الكاتب / سمير داود حنتوش
ينتظر العراقيون مجيء السفيرة فوق العادة ومفوضة الولايات المتحدة لدى جمهورية العراق بدلا من إلينا رومانوسكي التي ستغادر العراق قريبا وتترك منصبها لخليفتها تريسي جاكوبسون، ونقصد بالعراقيين ليس الشعب كما تذهب إليه الأذهان لأن هذه الجموع أصبحت تعيش في واد معزول وتخوض معارك شرسة من أجل البقاء في الحياة وكل ما يهمها هو البحث عن فرصة عمل أو توفير الكهرباء لمنازلها التي تغلي من الحر اللاهب أو الحصول على ماء صالح للشرب وحتى الأمن والأمان باتا ضائعين في هذا البلد.
العراقيون المقصود بهم الحديث هم الطبقة السياسية التي باتت تؤرقها تصريحات جاكوبسون مرشحة الرئيس الأميركي جو بايدن التي أدلت بها أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية. السفيرة الجديدة تشير مصادر سياسية إلى أنها ستكون أكثر حزما وصلابة من خليفتها رومانوسكي في قضية نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، وفي تدعيم إجراءات الخزانة الأميركية لتحديث النظام المصرفي العراقي ومنع تهريب الدولار إلى دول الجوار، والأهم أنها لن تسمح لإيران باستخدام الغاز المورد لتشغيل المحطات الكهربائية كسلاح ضد العراق. تجربة جاكوبسون المسؤولة عن عدة ملفات في الشرق الأوسط ومن بينها الملف “العراقي – الإيراني” وتمتلك خبرة تزيد عن 30 عاما في وزارة الخارجية، وهي ضابط مخابرات في السي.آي.أي، إضافة إلى عملها الدبلوماسي كسفيرة للولايات المتحدة في تركمانستان وطاجيكستان وكوسوفو وقائمة بالأعمال في سفارة بلادها في إثيوبيا، جعلت منها أكثر خبرة وتأهيلا لتعزيز المصالح الأميركية في العراق وخطوة إستراتيجية جديدة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. يمكن الجزم بأن الواقع السياسي العراقي القادم يحمل من المتغيرات الكثير ومن ضمنها تغيير قواعد اللعبة وبيادق الشطرنج، فحديث جاكوبسون عن احتواء الفصائل المسلحة وتجفيف النفوذ الإيراني في العراق والعمل على تحقيق العراق نوعا من الاكتفاء الذاتي في الطاقة يرسل رسائل صريحة بأن العراق يظل من حصة الولايات المتحدة ولن يحيد عن مصالحها ونفوذها. برنامج السفيرة الأميركية الجديدة فاجأ قوى الإطار التنسيقي وحكومته التي وصفت تصريحها في تغريدة “بأنه عدم فهم واضح للعراق الجديد وتدخل في شؤونه الداخلية والإساءة إلى جيرانه” مما أربك خططهم ولا يزال الحديث قائما عن كيفية العلاقة المستقبلية بين الفصائل المسلحة المنضوية تحت الإطار التنسيقي وسفيرة الولايات المتحدة الجديدة في العراق التي ستقطع مسافة ما يقارب من 12 ألف كيلومتر لترسم واقعا جديدا للعراق يختلف عن سابقه. من جانبها ردت حركة النجباء التي يتزعمها أكرم الكعبي على تصريحات السفيرة الأميركية الجديدة بالقول “إن أميركا دولة احتلال ولا تحترم إلا لغة القوة”، وأضاف رئيس المجلس السياسي للنجباء علي الأسدي بالقول “لن تكون صفعاتنا القادمة إلا على الأنوف وسترين لمن الكلمة الفصل.موجة من الاستنكارات أطلقتها بعض الأحزاب الإسلامية ردا على تصريحات جاكوبسون على اعتبار أنها تدخّل بالسيادة العراقية! كلمات جاكوبسون أمام مجلس الشيوخ الأميركي زادت قلق الأوساط السياسية في العراق من احتمالية أن يكون المشهد القادم يحمل انقلابا عسكريا وصِداما مباشرا تقوده الممثلة الأميركية، عكس الصورة التي كانت ترافق رومانوسكي من دبلوماسية ناعمة وهادئة تخفي وراءها أهدافا وأغراضا سياسية. يخبرنا التاريخ أن أحداث العراق ومتغيراته دائما ما يحدَّد وقتها في أيام الصيف اللاهب وهو ما سجله تاريخ العراق الحديث، فهل يكتب التاريخ أحداثا ومفاجآت في قادم الأيام؟ دعونا ننتظر.