كشفت الأمم المتحدة، عن مقتل أكثر من 600 فلسطيني وأُصيب أكثر من 4000 آخرين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية، من قبل مؤسسة غزة الإنسانية، الممولة من جهات أمريكية وإسرائيلية.
ووراء هذه الأرقام تكمن مآس إنسانية، حيث يروي أحد سكان غزة، الذي قُتل شقيقه الصغير أثناء محاولته الحصول على مساعدات غرب مدينة غزة، لفرانس 24، أنه تلقى في 17 حزيران/ يونيو اتصالا من مستشفى الشفاء، لإبلاغه بأن جثّة أخيه موجودة هناك، في كيس.
ويقول: “قتله قناص إسرائيلي، قضى بينما كانت الحشود تتدافع نحو شاحنة مساعدات إنسانية”، مضيفا: “لمستُ جثته ورأيت كيف اخترقت الرصاصة كتفه الأيسر، ثم خرجت من قلبه.. قُتل من أجل قطعة خبز، بينما يظل العالم صامتا، يراقب، بل ويبرّر كل هذه الخسائر البشريّة”.
وقد منعت إسرائيل، في آذار/ مارس، دخول المساعدات الغذائية وسلع أساسية أخرى إلى قطاع غزة، لأكثر من شهرين، ولم يُسمح بمرور بعض الشحنات إلا في نهاية أيار/مايو، من خلال نقاط توزيع تديرها مؤسسة غزة الإنسانية وتخضع لحراسة عناصر مسلحة أمريكية، بدعم من القوات الإسرائيلية.
ويفيد مسؤول في الأمم المتحدة، طلب عدم الكشف عن هويته، أنّه “ليست هناك مساعدات كافية، لهذا يتجه الناس بالآلاف نحو مناطق مُخلاة، وهناك تحديدا تهاجمهم القوات الإسرائيلية وتقتلهم، لأنهم لا يأتون فرادى. إنه الدم مقابل الغذاء”.
في مطلع حزيران/يونيو، وثقت صحيفة هآرتس الإسرائيلية شهادات عدّة أشخاص استهدفتهم دبابات ومسيّرات ومروحيات، بالقرب من نقاط توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية.
ورفضت مؤسسة غزة الإنسانية والجيش الإسرائيلي هذه الاتهامات بشكل قاطع، وقال متحدث باسم المؤسسة لفرانس 24: “لم يسجل سقوط أي قتيل داخل مواقع التوزيع التابعة لنا أو في محيطها. نقطة على السطر”.
وتتهم إسرائيل حركة حماس بشكل متكرر بتحويل مسار المساعدات الإنسانية، بدون تقديم أي دليل على ذلك، وترى الحكومة الإسرائيلية مؤسسة غزة الإنسانية كأداة رئيسية لتقليص ما تبقى من سيطرة حماس على قطاع غزة.
يرأس مؤسسة غزة الإنسانية كلّ من جون أكري، وهو مسؤول سابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID وجوني مور، مستشار سابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب. هو أيضا واعظ إنجيلي وخبير في العلاقات العامّة، مقرب من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويرى الخبير في إعادة الإعمار في فترة ما بعد النزاعات جيمس واسرستروم، الذي عمل مع الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية في أفغانستان وأوكرانيا وكوسوفو، أن “استقدام أفراد مدججين بالأسلحة، لا يملكون مؤهلات واضحة في العمل الإنساني، يعزز المخاوف من أن شركة Safe Reach Solutions ومؤسسة غزة الإنسانية تسعيان لتحقيق أهداف عسكرية أكثر منها إنسانية”.
في هذا السياق، قال متحدث باسم المؤسسة لفرانس24 :”هذا ‘الخبير’ لا يعرف شيئا على الإطلاق عن عملياتنا”، مضيفا أن المنظمة تضم في صفوفها “متخصصين في المجال الإنساني”.
ومن أجل حماية مواقع مؤسسة غزة الإنسانية، قد تكون إسرائيل تعتمد أيضا على جماعة محلية يقودها فلسطيني يُشتبه بارتباطه بتنظيم الدولة الإسلامية. فقد صرّح جندي إسرائيلي متمركز في أحد مواقع توزيع المساعدات، لصحيفة هآرتس مؤخرا، بأن عصابة تابعة لتاجر المخدرات المزعوم ياسر أبو شباب، المعارض لحركة حماس والذي يشتبه بتأييده تنظيم الدولة الإسلامية، تشارك في حماية هذه المواقع.
وتتلقى مؤسسة غزة الإنسانية دعما ماليا من شركة McNally Capital، التي أسسها عام 2008 وارد مكنالي، وهي متخصصة في إدارة الثروات العائلية. استثمرت هذه الشركة بشكل كبير في قطاع الدفاع، وأسهمت في تأسيس شركة Safe Reach Solutions.
وعام 2021، استحوذت شركةMcNally Capital على شركة Orbis Operations، وهي جهة متعاقدة مع أجهزة الاستخبارات وُجّهت إليها اتهامات باستخدام أدوات مراقبة مثيرة للجدل، وكان فيليب فرنسيس رايلي يعمل لديها آنذاك. عام 2024، شارك الأخير في تأسيس كل من مؤسسة غزة الإنسانية وشركة Safe Reach Solutions، بحسب ما كشفه تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز نُشر في أيار/مايو.
وأكدت شركة McNally Capital لوكالة رويترز أن لديها “مصلحة اقتصادية” في Safe Reach Solutions، وأنها شاركت في التأسيس القانوني للشركة المذكورة. في المقابل، لم تردّ McNally Capital على طلبات فرانس 24 التعليق على المسألة.
تشارلز ج. أفريكانو هو المدير الأمريكي الوحيد للفرع الإسرائيلي لشركة Safe Reach Solutions. يعمل منذ سنوات مع فيليب فرنسيس رايلي الذي تعرف إليه في شركة Constellis الأمنية التي انبثقت عن شركة جيش خاص كانت تسمّى Blackwater، ومعروفة بتورطها في مجزرة بحق مدنيين عراقيين في بغداد عام 2007. كشف موقع Middle East Eye عن علاقتها بمؤسسة غزة الإنسانية وهو أمر أكدته فرانس 24 لاحقا بشكل مستقل، استنادا إلى وثائق رسمية.
يُعد تشارلز ج. أفريكانو أيضا عضوا في مجموعة خاصة على موقع LinkedInمرتبطة بشركة Quiet Professionals، وهي مؤسسة أمنية مقرها تامبا في ولاية فلوريدا الأميركية، متخصصة في دعم العمليات الخاصة، ويقودها عضو سابق في القوات الخاصة الأمريكية. وقد استحوذت شركة McNally Capital على هذه الشركة في أيار/مايو الماضي.
عند سؤالها عن علاقاتها بشركة Quiet Professionals، لم ترغب مؤسسة غزة الإنسانية في الرد، مكتفية بالقول: “على غرار معظم المنظمات غير الربحية، لا نكشف عن هوية المانحين حفاظا على خصوصيتهم.”
ولم ترد كل من شركتي Orbis Operations و Quiet Professionals على أسئلة فرانس 24.
ويرى المؤيدون لمؤسسة غزة الإنسانية أنّ التعاون مع الجيش الإسرائيلي يمنح المؤسسة ميزة، مقارنةً بالمنظمات الإنسانية الأخرى الموجودة في القطاع، والتي تشهد علاقاتها مع السلطات الإسرائيلية توترًا منذ بداية الحرب.
في هذا الإطار، قال أحد ممثلي شركة Safe Reach Solutions لفرانس 24: “نجحت مؤسسة غزة الإنسانية في تحقيق مستوى أفضل من التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، بخلاف المنظمات الأخرى”.
وترى الوكالات الإنسانية أن لهذا “التنسيق” ثمن بشري فادح بالنسبة للفلسطينيين، إذ يخاطر كثيرون بحياتهم يوميا فقط للحصول على ما يسدّ رمقهم.
وفي منشور على منصة إكس في 18 حزيران/يونيو، وصف فيليب لازاريني، المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، مؤسسة غزة الإنسانية بأنها “نظام بدائي، غير فعّال وقاتل، يستهدف الناس عمدا تحت ستار المساعدات الإنسانية.” وأضاف: “استدراج الجائعين إلى حتفهم يشكل جريمة حرب.”
أخيرا، نشرت نحو 15 منظمة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في 30 حزيران/يونيو، رسالة مفتوحة تدعو فيها المانحين والشركاء إلى الانسحاب من مؤسسة غزة الإنسانية ودعم نماذج تلتزم بالقانون الدولي الإنساني.