تمنحنا السينما الإيرانية من وقت لآخر أفلاما مدهشة تتخطى مقص الرقيب وتثير جدلا لدى الأوساط السينمائية والشعبية في الداخل الإيراني وخارجه، لأنها أفلام تحمل أفكارا من نبض الشارع الإيراني الذي يعاني من هيمنة وقسوة نظام الآداب أو “شرطة الأخلاق “المفروضة على النساء في إيران.
فيلم “كعكتي المفضلة” للمخرجة “مريم مقدم وزوجها المخرج المشارك بهتاش صانعي “ومخرجة الفيلم “من تلك النسوة” اللاتي يعرفن عن قرب هذه القسوة وعايشنها قبل أن تهرب إلى المنفى “السويد” بحثا عن الحرية، من هنا نشاهد في بداية الفيلم “فتاة مراهقة تتعرض للتوقيف من قبل شرطة الآداب وحالات التنمر والتعذيب النفسي وكيف يسحبن بالقوة إلى سيارات الشرطة ليلتحقن مع أعداد أخرى يتم القبض عليهن في فضاءات أخرى.
فيلم “كعكتي المفضلة” روائي تدور أحداثه حول ماهين، سيدة في السبعين من عمرها، تعيش بمفردها، حتى تقرر كسر روتين عزلتها وتنشيط حياتها العاطفية ما إن تنفتح على الرومانسية حتى يتطور ذلك سريعًا إلى لقاء غير متوقع وأمسية لا تُنسى، ثم يظهر في عمق المشهد حبيبها يلتقيان بحميمية ممزوجة بخوف من الشرطة ويذهبان بعيدا في المتنزه وتبقى مهين وهي تعاني من الحنان والوحدة ومن هنا تبدأ قصة الفيلم.
سبق للسطات الرقابية في إيران أن منعت المخرجة” مريم مقدم وزوجها بهتاش صناعي “من السفر إلى مهرجان برلين لحضور عرض فيلمها “كعكتي المفضلة”، وتم وضع إشارة إلى اسميهما على كرسيين شاغرين طوال عرض الفيلم والمؤتمر الصحافي.
قصة الفيلم
ماهين والتي تقوم بدورها الممثلة الإيرانية ليلي فرهدبور امرأة في السبعين من العمر أرملة جميلة المظهر وممتلئة الجسم، وزوجها كان ضابطًا في الجيش وقد فقدته قبل عشرين عامًا وهي تعيش بمفردها في بيت واسع وجميل مع شرفة وحديقة خضراء جميلة، وتظهر مَهِين في المشاهد الداخلية خلال الفيلم من دون حجاب وهذا أمر محظور في إيران توفي زوجها منذ أعوام طويلة، وسافر الأبناء إلى الخارج، وبقيت هي في هذا البيت الواسع بمفردها تعيش حالة الوحدة والحنين إلى الماضي، في منزلها الفسيح وحديقته الجميلة، وكانت تلتقي صديقاتها بين الحين والآخر، وفي أحد اللقاءات سألت إحدى صديقاتها مَهِين: “لماذا لا تحاولين التعرُّف على رجل جديد؟ زوجك توفي ودُفن منذ عشرين عامًا وابنتك تعيش في الخارج.
يجب عليك أن تحاولي العثور على شريك حياة جديد، لكن حتى هذه اللقاءات تلاشت مع مرور الأيام، لكن “مهين” لم تستسلم لتلك الحياة الروتينية والرتيبة والبعيدة من أي مشاعر، وما زال قلبها ينبض بالحياة وزادت من طلعاتها الصباحية تبحث في المتنزهات ومطاعم المتقاعدين تسأل عن ممارسة الرياضة وعن كابونات الطعام التي تمنح للمتقاعدين، على أمل أن تسنح الفرصة للقاء الحبيب المرتقب.
كعكتي المفضلة
مساء رومانسي لم يكتمل
وبعد البحث عن نصفها الآخر التقت ماهين برجل سبعيني يدعى “فرامرز” ويؤدي دوره بإتقان عال جدا الممثل “إسماعيل محرابي”، وهو مجند سابق خاض الحرب مع إيران ضد العراق لمدة “8” سنوات وحاليا يعمل سائقا حرا، تطلب منه أن يوصلها إلى بيتها ويعتذر بحجة أن دوره لم يأتِ بعد وطلب منها الصعود مع تاكسي آخر له الأفضلية، وتجيبه بأنها طلبته بالاسم وعندما يسألها لماذا تقول له إنها شاهدته صباح اليوم في مطعم المتقاعدين، يبتسم ويقول لها تفضلي سأوصلك إلى بيتك، وعلى طول الطريق نستمتع بطرافة وحلاوة الحديث بينهما وينتهي بدعوته إلى منزلها وتقدم له شرابا معتقا كانت مهين تخفيه عن الأنظار.
مريم مقدم
يمضي فرامرز ومهين ليلة يسودها الحنين والحب والشجن والضحك وكان مشهدا رومانسيا من أجمل المشاهد السينمائية، هذه الأمسية الرومانسية انقلبت فجأة من ليلة رومانسية دافئة ضاحكة يتخللها رائحة الطعام الإيراني اللذيذ، إلى لليلة دراماتيكية وحزينة انهمرت فيها دموع مهين نادبة حظها وحلمها الذي لم يكتمل، توفى حلمها الذي ظلت تبحث عنه في ساعة متأخرة من الليل بسبب قرص منشط تناوله سرا.
ورسالة الفيلم هي دعوة لرفض قمع المرأة والمطالبة بالحرية كل الحرية للمرأة الأيرانية.