“سلاح وانعدام تجانس”.. أسباب أدت إلى تراجع “الفتح” بالانتخابات العراقية

يتجه التحالف الممثل للحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران، نحو تسجيل خسارة مدوية في الانتخابات التشريعية مع فقدانه ثلث عدد نوابه، ما يؤشر الى تخلّي ناخبيه عنه بسبب رفضهم لسلطة السلاح ومطالبتهم بتعافٍ اقتصادي سريع بحسب تقرير أعدته “فرانس برس”.

وبعدما كان القوة الثانية في البرلمان السابق مع 48 مقعداً، حاز تحالف الفتح، الحليف القوي لطهران، نحو 15 مقعداً فقط في انتخابات العاشر من أكتوبر، بحسب النتائج الأولية.

وندّد قياديون في التحالف بـ”تزوير” في العملية الانتخابية، وتوعدوا بالطعن بها، فيما يتوقع أن تنشر النتائج النهائية خلال الأسبوع الجاري.

ويرى خبراء أن هذه النتيجة المحرجة لتحالف الفتح والحشد الشعبي الذي دخل البرلمان للمرة الأولى في العام 2018 مدفوعاً بالانتصارات التي حققها الى جانب القوات العسكرية الحكومية ضد تنظيم داعش، تفسّر بإخفاقه في تلبية تطلعات ناخبيه.

عنف وغياب الخطط

ويؤكد كثيرون أن أبرز أسباب عزوف جماهير الفتح والحشد عن التصويت لهما هو العنف والممارسات القمعية المنسوبة للفصائل الموالية لإيران والمكوّنة للحشد الشعبي الذي يتألف من نحو 160 ألف مقاتل، بحسب تقرير فرانس برس.

يضاف إلى ذلك غياب الخطط الهادفة إلى إنعاش الاقتصاد في بلد غني بالنفط ولكنه يعاني من تردّ في الخدمات العامة وفساد مزمن، بعد عامين من انتفاضة شعبية طالبت خصوصاً بتغييرات على مستوى المعيشة. 

“شعارات فارغة”

ولم تصوّت سلوى، وهي من أنصار الفتح، للتحالف كما فعلت في العام 2018. وتعتبر الطالبة الجامعية الشابة أن “الفتح خسر لأنه حمل شعارات فارغة”.

وتضيف “والدي أصرّ عليّ وعلى والدتي أن نصوّت للفتح”. لكنها صوتت لنوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق بين العامين 2006 و2014، وهو في أي حال قريب من الحشد ومن إيران. 

وكان حصول المالكي، زعيم ائتلاف “دولة القانون” على ما يفوق الثلاثين مقعداً، مفاجأة أيضا.

ويرى رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري أن أبرز أسباب “تراجع الفتح هو اعتماده على السلاح”. 

ويردف الباحث أن “إعلانه بأنه حليف إيران أضر بشكل كبير بشعبيته”.

وظهرت فصائل الحشد، بالنسبة اليه، في أكثر من موقف، وكأنها “فوق الدولة، وهذا ما لم يكن مقبولا من جمهورها”.

وكانت وكالة رويترز قالت في تحليل نشرته، الأربعاء الماضي، إنه لا تزال هناك مؤشرات على استمرار النفوذ الكبير لطهران في العراق بعد أن حقق رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي “وهو صديق لطهران، مكاسب مفاجئة كبيرة، بحلوله ثالثا في ترتيب الفائزين” مع نحو 37 مقعدا مقابل 24 فقط في الدورة السابقة.

ونقلت الوكالة عن دبلوماسي غربي قوله إن قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، كان في بغداد وقت إعلان النتائج الأولية، ولا يزال يبحث عن طريقة لإبقاء حلفاء طهران في السلطة.

“مللنا منهم”

بعد الاحتجاجات الشعبية التي هزّت العراق في أكتوبر 2019، كان العشرات من الناشطين ضحايا عمليات خطف واغتيال ومحاولات اغتيال اتهمت الفصائل الموالية لإيران بالوقوف خلفها، ولم يحاسب أحد عليها حتى الآن. 

ويقول جلال محمد، وهو صاحب متجر بقالة يبلغ من العمر 45 عاماً، إنه لم يعط صوته للحشد: “شعرنا بالملل منهم، فالعراق منحدر بكل معنى الكلمة، وزعماء الحشد يسكنون المنطقة الخضراء (منطقة المقرات الحكومية وبعض السفارات في العاصمة)، وأرتال حمايتهم هائلة، ولا يرون أحداً”.

واعتبر حسن سالم القيادي في “عصائب أهل الحق”، إحدى مكونات تحالف الفتح وفصيل من فصائل الحشد الشعبي، في بيان أن الانتخابات الأخيرة “هي الأسوأ في تاريخ العراق من حيث التنظيم”، مندداً بـ”عملية منظمة لسرقة أصوات الناس”.

ضياع الأصوات

ويتحدث مصدر من الحشد الشعبي لفرانس برس عن تبادل قيادات سياسية داخل الحشد اتهامات بشأن هذا التراجع الانتخابي، من سوء إدارة الماكينة الإعلامية وطريقة توزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية، ما أسهم في تشتيت الأصوات وضياعها.

ويقول المصدر: “انعدام التجانس داخل تحالف الفتح ومحاولة جميع الأحزاب داخل الفتح فرض مرشحها في منطقة واحدة احيانا أضاع الأصوات”.

لكن رغم هذا التراجع، قد يظلّ الحشد قادراً على تشكيل كتلة وازنة في البرلمان، إذا ضمّ إليه “مستقلين”، ومن خلال لعبة التحالفات، لا سيما مع نوري المالكي.

ويعزو الباحث حارث حسن نجاح المالكي إلى اختيار “مرشحين أقوياء لاقوا صدى لدى الناخبين الشيعة الذين يربطون (المالكي) بفكرة دولة شيعية قوية، وليس بدولة تهيمن عليها مجموعات مسلحة”.

ويضيف الباحث في مقال نشره مركز “كارنيغي” لدراسات الشرق الأوسط أن المالكي “جذب أصوات طبقات اجتماعية استفادت باستفاضة من حكومته في مجال التوظيف، والزبائنية، حين كانت أسعار النفط أعلى”.

ويتخوف البعض من توترات سياسية وربما أمنية بعد الانتخابات.

ورفعت أحزاب شيعية مساء السبت النبرة، متهمةً في بيان المفوضية الانتخابية بأنها “لم تصحّح انتهاكاتها الجسيمة” التي ارتكبت خلال عملية عدّ وفرز الأصوات، واتهمتها بإفشال العملية الانتخابية. 

وحذرت تلك الأحزاب في الوقت نفسه من “الانعكاسات السلبية” لذلك “على العملية الديموقراطية” في البلاد.

في الوقت نفسه، اتهمت الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية التي تضمّ فصائل موالية لإيران بعضها منضو في الحشد، في بيان الأحد، “أيادي أجنبيّة بالتلاعب في نتائج الانتخابات” وبـ”تزويرها بإشراف حكوميّ”.

وأظهرت النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات الاثنين الماضي أن التيار الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر هو أكبر فائز في الانتخابات بحصوله على أكثر من 70 مقعدا في البرلمان من أصل 329.

في المقابل، حصد تحالف الفتح الذي يتزعمه رئيس منظمة بدر هادي العامري على نحو 20 مقعدا، وهو عدد قليل مقارنة بالانتخابات الماضية التي حل فيها ثانيا بـ 48 نائبا في برلمان 2018.

ورأى أستاذ العلاقات الدولية هيثم الهيتي أن “الخسارة التي تعرض لها الموالون لإيران تعد بمثابة ضربة قاصمة للجانب المسلح الذي يمثله تحالف الفتح في البرلمان العراقي”.

وأضاف الهيتي في حديث سابق لموقع “الحرة” أن “المشكلة التي ستواجه العراق مستقبلا هي أن هذه القوى تمتلك نفوذا عسكريا وسياسيا لا يستهان به وبالتالي لن تقبل بالخسارة بسهولة”.