رأي الكتاب
“جامعة أمريكية… بلا أمريكا!” كيف أصبحت بغداد مسرحًا لعلامة تجارية أكاديمية مزوّرة؟ || للكاتب: ضياء أحمد الشگرچي

عندما قال رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي إن “تخرج الدفعة الأولى من طلاب الجامعة الأمريكية في بغداد ليس مجرد حدث أكاديمي، بل رسالة بأن بناء الدول يبدأ من بناء العقول”، كان الأجدر به أن يُضيف: “بشروط السوق المحلي، وبعقول مرتبطة بالسلطة، وبترخيص لا يعترف به أحد في الخارج.”
ما يُعرف اليوم بـ”الجامعة الأمريكية في بغداد” ليس له أي علاقة بالجامعات الأمريكية المعتمدة، لا من قريب ولا من بعيد. لا اعتماد أكاديمي من مؤسسات التعليم الأمريكية، ولا اعتراف من جامعاتها الكبرى، ولا حتى شراكة وهمية يمكن التحقق منها. الاسم فقط، والبريق فقط، أما الجودة؟ فهي على الورق، وفي تصريحات الإعلام.
من يملك الجامعة؟ رجال أعمال وساسة في عباءة التعليم. سعد وهيب الذي أسس حزب لدخول الانتخابات وترشيح ابنة(علي)، رجل الأعمال المعروف بقربه من مراكز القرار، يقف على رأس المشروع، مدعومًا من أسماء لعبت أدوارًا مزدوجة في السلطة، أبرزهم طارق نجم عبدالله، القيادي في حزب الدعوة والمقرّب من المالكي سابقًا، والمقرّب من السوداني حاليًا.
ولا يكتمل المشهد دون أبو أيمن عبدالكريم الفيصيل ، رئيس هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء والذي اتهم بتسجيل صوتي لتلقي رشاوى بمبالغ كبير ، وهيب الذي حصل على الأرض على طريق مطار بغداد التي تقوم عليها الجامعة بسعر رمزي مثير للريبة، فيما يبدو وكأنه نموذج متكامل لخصخصة النفوذ وتحويل المناصب إلى أسهم استثمارية في المشاريع “الاستراتيجية”.
لكن الأخطر من التمويل، هو الادّعاء الأكاديمي.
الجامعة الأمريكية في بغداد لا تخضع لأي اعتماد أمريكي رسمي، على عكس ما يوحي به اسمها، أو يُوهم به طلابها، أو يُستخدم في إعلاناتها. لا صلة لها بجامعة بيروت الأمريكية، ولا بأي مؤسسة أمريكية أكاديمية عريقة. إنها جامعة “أمريكية” بمواصفات محلية، ومصطلحات عالمية، وجمهور لا يملك أدوات التحقق.
ما يجري هو بيع للوهم الأكاديمي بمباركة من السلطة، وتمرير لعلامة تجارية مسروقة باسم التعليم. والنتيجة: آلاف الطلبة يُخدعون، وأموال طائلة تُنفق، و”الشهادة الأمريكية” التي يُبشر بها الكاظمي، قد لا تكون أكثر من ورقة صالحة للتعليق على الجدران، لا على طاولة القبولات في الخارج.
بينما تُصرّ الدولة على الصمت، وتُروّج النخب لهذا المشروع، لا أحد يسأل: لماذا لا تُحاسَب جهة تدّعي الانتماء إلى نظام أكاديمي دولي دون اعتراف رسمي؟ ولماذا يُستخدم النفوذ السياسي لإنشاء مؤسسات تعليمية دون شفافية أو اعتماد؟
هكذا تُبنى “العقول” على أساس هش. وهكذا تُختزل الدولة في مشروع فاقد للشرعية الأكاديمية، لكنه يمتلك كل مقومات الرعاية السياسية