سلّط موقع “دي دبليو عربية” الألماني الضوء على جانب آخر من الحرب التي اندلعت بين إيران وإسرائيل، حيث تناول في تقرير المخاطر التي تهدد التراث الثقافي في الشرق الأوسط الذي كان تحت تهديد الضربات الجوية.
ويشير الموقع الألماني في تقريره إلى أنه خلال النزاع بين إسرائيل وإيران كانت هناك مواقع ثقافية في البلدين معرضة للدمار بالصواريخ أو قصف الطائرات. التراث الثقافي الغني للمنطقة معرض للخطر. كيف يمكن حمايته؟.
جاء التحذير الصادر عن المجلس الدولي للمتاحف بعد الهجمات الأولى بالقنابل وكان واضحاً “حذر مجلس المتاحف بشكل عاجل من خطر متزايد على المتاحف وموظفيها في إسرائيل وإيران”.
وطالبت الجمعية المهنية التي تتخذ من باريس مقراً لها والتي ينتمي إليها 8000 من العاملين في المتاحف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من إسرائيل وإيران بضرورة التزام الطرفين بالاتفاقيات الدولية لحماية التراث الثقافي حتى في حالة النزاع.
وقالت رئيسة اللجنة الوطنية الألمانية، فيليسيا شتيرنفيلد لـ”دي دبليو عربية”، إنه “مع ذلك لا يمكننا أن نفعل أكثر من التحذير والتنبيه”.
الأخبار شحيحة على أرض الواقع حيث لا تتدفق من إيران على وجه الخصوص سوى معلومات شحيحة إذ لا تسمح البلاد بالكاد لأي صحفي أجنبي بدخولها وتقيد حرية الصحافة بشكل كبير.
ومع ذلك هناك شيء واحد يبدو مؤكداً “تم تفعيل خطط الطوارئ في كلا البلدين منذ بداية النزاع الإسرائيلي الإيراني”.
وسعى الخبراء قدر الإمكان إلى تأمين الممتلكات الثقافية وإزالتها ونقلها إلى أماكن أخرى. وعلى الرغم من كل التحذيرات من غير الواضح حالياً ما إذا كانت هناك أي أضرار.
تمتلك إيران تراثاً ثقافياً غنياً. ويشمل ذلك 28 موقعاً من مواقع التراث العالمي لليونسكو ونحو 840 متحفاً، 300 منها تحت إدارة وزارة الثقافة.
وتقول يوديث تومالسكي في مقابلة مع إذاعة “دويتشلاند فونك” الألمانية “لدى إيران هيئة تراثية منظمة ومهنية بشكل جيد”، وهي ترأس فرع طهران للمعهد الألماني للآثار.
ويعمل مكتب تومالسكي من برلين منذ عام 2023 عندما تظاهر آلاف الإيرانيين ضد النظام وسحبت وزارة الخارجية الألمانية موظفيها من المؤسسات الألمانية كإجراء احترازي.
ويواصل المعهد نفسه عمله في مقر السفارة الألمانية في طهران بموظفين محليين. وتحافظ تومالسكي على التواصل مع شبكتها الإيرانية قدر الإمكان.
باربرا هيلفينغ، مديرة متحف الشرق الأدنى القديم في برلين وسلف يوديث تومالسكي من عام 2000 إلى عام 2014 هي أيضاً خبيرة في إيران.
وكما قالت لإذاعة “RBB” كانت على اتصال مع زملائها في المتحف الوطني هناك حتى النهاية. لفترة من الوقت كان هناك صمت إذاعي لأن النظام الإيراني أغلق الإنترنت.
وقالت هيلفينغ: “نحن نعلم أن المتحف ومبنييه الكبيرين القريبين من وزارة الخارجية قد تم إفراغهما”. وكانت هي نفسها قد شاهدت صورا تُظهر خزائن العرض فارغة.
المتحف الوطني الإيراني هو أهم متحف في إيران. ففي مبنيين يضم كل منهما ثلاث قاعات يضم أكثر من 300 ألف قطعة أثرية من عصور ما قبل الإسلام (قبل القرن السابع الميلادي) والعصور الإسلامية بما في ذلك العديد من القطع المصنوعة من الحجر والخزف والزجاج والمعادن.
وتقول هيلفينغ إن “العلاقة مع التراث الثقافي في إيران وثيقة للغاية”. فالهوية الثقافية للبلاد يغذيها التاريخ العريق.
وبحسب هيلفينغ تم نقل جميع القطع الأثرية على عجل إلى الأقبية. وتمت تغطية القطع الأثريةغير المنقولة ومعظمها قطع حجرية بأكياس رمل لحمايتها من الصدمات والحطام المتطاير. وعلى عكس إسرائيل لا توجد مخابئ في إيران ليس للأشخاص وبالتأكيد ليس للقطع الأثرية المهددة.
وقد ثبت أن حماية المواقع الأثرية التي غالباً ما تقع في مناطق مفتوحة أكثر صعوبة بكثير: “لا يمكنك حمايتها حقا”.
تقول هيلفينغ: “لا يمكنك حمايتها حقا يمكنك فقط أن تأمل أن تكون بعيدة بما فيه الكفاية عن الأهداف المحتملة”.
وبحسب صحيفة “طهران تايمز” اليومية الناطقة باللغة الإنكليزية فإن طاق البستان، وهو مجمع أثري من العصر الساساني (سلالة مهمة من الإمبراطورية الفارسية القديمة التي حكمت من 224 إلى 651 م/ م) بنقوشه الصخرية الفريدة من نوعها معرضة أيضا لخطر الهجوم بشكل خاص.
ووفقاً للتقرير قصفت القوات الجوية الإسرائيلية مستودعا للأسلحة على بعد كيلومترين فقط. وتخشى هيلفينغ من أن تكون الاهتزازات وموجات الضغط قد تسببت في حدوث أضرار. وهي لا تعرف المزيد من التفاصيل في الوقت الحاضر.
وتقول خبيرة ما قبل التاريخ يوديث تومالسكي التي تعمل في إيران منذ أكثر من 20 عاماً إن “إدارة الآثار الإيرانية تعرف تماما ما يجب عليها فعله”. وهي تعتقد أيضاً أن المواقع الأثرية المفتوحة مثل برسيبوليس أو بيسوتون أو تاشت سليمان “من المستحيل حمايتها”، كما قالت لصحيفة “تاغشبيغل” البرلينية. وعلى الأقل هي لا ترى “أي تهديد حاد للممتلكات الثقافية” لكنها لا تعرف ماذا سيحدث بعد ذلك.
كما تم تفعيل خطط الطوارئ في إسرائيل في أعقاب الهجمات الإيرانية المضادة الأولى.
وبحسب تقرير نشرته مجلة “الفنون الجميلة” الثقافية الفرنسية قام متحف تل أبيب للفنون بتأمين مجموعته من الفنون الجميلة الإسرائيلية والعالمية في غرف ومستودعات تحت الأرض.
أما المتحف الإسرائيلي في القدس وهو أحد أكبر المتاحف في الشرق الأوسط ويضم 500 ألف قطعة فنية، فيمكن زيارته مرة أخرى بالفعل حيث يُعلم المتحف زواره على موقعه الإلكتروني بأن الملاجئ متاحة في حالة الطوارئ.
ويوجد حالياً تسعة مواقع تراث عالمي لليونسكو في إسرائيل بما في ذلك “المدينة البيضاء” في تل أبيب، وهي حي يضم العديد من مباني باوهاوس، وقلعة مسعدة الصخرية الشهيرة ومدينة عكا القديمة. “على حد علمنا، لم يحدث أي ضرر للقطع الأثرية التي تقع تحت مسؤولية سلطة الآثار الإسرائيلية”، كما ذكرت كل من صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وتحظى مواقع التراث العالمي بحماية رسمية من قبل المجتمع الدولي للدول. فإلى جانب اتفاقية لاهاي لعام 1954، التي تنظم حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح تُعتبر اتفاقية اليونسكو للتراث العالمي لعام 1972 أهم مجموعة قواعد فوق وطنية للحفاظ على الممتلكات الثقافية.
ستجتمع لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو قريباً في باريس في الفترة من 6 إلى 16 تموز/ يوليو الجاري في دورتها السابعة والأربعين. وسيناقش الخبراء من بين أمور أخرى إدراج مواقع جديدة على قائمة التراث العالمي. وسيتم بث الاجتماع مباشرة على الإنترنت. والحرب الإسرائيلية الإيرانية ليست على جدول الأعمال. ولا يبقى إلا الأمل في أن يصمد وقف إطلاق النار وألا تصبح الحرب ضرورية.