تشرينيون في برلمان العراق.. هل تؤسس قوى الاحتجاج لمعارضة حقيقية؟

كان مشهد دخول النواب الجدد إلى جلسة البرلمان العراقي الجديد حافلا بالإثارة، كما وصفه بعض العراقيين، فقد لبس نواب الكتلة الصدرية الأكفان التي تحمل شعارات “جيش المهدي”، واختار النواب الأكراد الدخول بملابسهم التقليدية، في حين قرّر نواب كتلة امتداد “التشرينية” القدوم إلى الجلسة بعربات “التوك توك” من ساحة التحرير (وسط بغداد) إلى مبنى المجلس، في إشارة إلى دوره أيام المظاهرات الاحتجاجاية أواخر 2019.

وتمكنت حركة “امتداد” المنبثقة عن الاحتجاجات من الفوز بـ9 مقاعد في البرلمان الجديد، بعد قرارها المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في وقت أعلنت فيه قوى “تشرينية” أخرى المقاطعة.

معارضة حقيقية

القيادي في “امتداد” غسان الشبيب قال للجزيرة نت إن الحركة تحاول التأسيس لعمل نيابي حقيقي من خلال الرقابة والتشريع، وفي مقدمة أهدافها سنّ قوانين تخدم المجتمع والمصلحة العامة وتوحّد “الهوية العراقية”، وممارسة رقابة مشددة ودقيقة لبناء الدولة من خلال رصد كل المخالفات، على حد قوله.

وأضاف أن حركته تريد بناء معارضة حقيقية لم يعرفها النظام العراقي الحالي، والوقوف بوجه المحاصصة التي قامت عليها العملية السياسية، وبناء تجربة عابرة للطوائف والمكونات.

وتقول الحركة إنها تسعى أيضا لإعادة صياغة الدستور العراقي، وتغيير شكل النظام إلى رئاسي أو شبه رئاسي، والقضاء على التقسيمات الطائفية والعرقية وتعزيز مفهوم المواطنة.

ويتوقع الشبيب أن وجود ممثلين لتشرين سيتضاعف في البرلمان المقبل، وهذا يتعلق بعمل وإنجاز الكتلة النيابية لامتداد، “بعيدا عن المحاصصة والسمسرة والمحسوبية، خاصة بعد استعادة ثقة الشعب العراقي بالعملية السياسية، ومحاربة عوامل الإحباط والعجز عن التغيير، التي كانت تروّج لها بعض الأحزاب التقليدية”.

القيادي في البيت الوطني أحمد الحمداني: الأسباب التي طرحناها لمقاطعة الانتخابات ما تزال موجودة

مقاطعون حتى إشعار آخر

ويراهن “التشرينيون” الفائزون بالانتخابات على أن مشاركتهم ستختلف عن تجربة “التحالف المدني الديمقراطي”، الذي طرح نفسه كممثل للمحتجين على العملية السياسية الدائرة في العراق في انتخابات 2014، وحصل على 3 مقاعد، لكنه تعرض لانتقادات واسعة من جمهوره، بسبب عجزه عن تغيير قواعد اللعبة السياسية، أو تحقيق تطلعات ناخبيه.

وأثارت مشاركة القوى المنبثقة عن تشرين في الانتخابات البرلمانية جدلا في أوساط مؤيدي الحركة الاحتجاجية، فعدّها بعضهم غير مجدية في ظل انفلات السلاح واستمرار النزوح السكاني والتغييب القسري، في حين دافع المشاركون عن قرارهم بالقول إن المعادلة السياسية قد تغيرت بعد الاحتجاجات، وبات بالإمكان العمل على تغيير الواقع بشكل جدي.

وأعلنت قوى من تشرين مقاطعة الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ في مقدمتها حزب البيت الوطني، الذي وصف العملية السياسية الحالية في بيان سابق بأنها “أسوأ نظام حكم شهده العراق منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921”.

ويرى عضو الأمانة العامة للبيت الوطني أحمد الحمداني أن الأسباب التي طرحها الحزب ودعا بموجبها لمقاطعة الانتخابات لا تزال موجودة، وفي مقدمتها استمرار تحكّم وسيطرة بعض القوى التي تضغط للوصول إلى سدّة السلطة بالعنف والسلاح.

لكنه يضيف أن هذه المقاطعة لا تحول دون التنسيق والتعاون مع أي جهة تريد خدمة العراق وانتشاله من واقعه، خاصة من الداعمين لتشرين والراغبين بإصلاح حقيقي، حسب تعبيره.

ويلفت إلى أن التحديات التي ستواجه برلمانيي تشرين داخل قبة البرلمان كبيرة، وأن أهم خطوة ينبغي العمل عليها هي تفعيل دور “النائب الحقيقي” الذي افتقده العراقيون على مدى 19 عاما، والسعي لإقرار قوانين تحقق مطالب الشعب في التنمية والإعمار ومحاسبة الفاسدين والمتورطين في أحداث العنف والاغتيالات.

الحمداني: سيكون أداء هذه القوى صاخبا وقويا في البداية لكنهم سرعان ما سيفهمون اللعبة البرلمانية

بين الطموح والواقع

ويرى مراقبون أن مهمة قوى تشرين داخل البرلمان لن تكون سهلة، وأن العديد من المعارك السياسية ستكون بانتظارهم.

ويتوقع الكاتب والمحلل السياسي ماهر الحمداني أن يكون أداء هذه القوى صاخبا وقويا في البداية، لكنهم “سرعان ما سيفهمون اللعبة البرلمانية، وهي أن النواب الأفراد لا قيمة لهم في المجلس، وستبدأ رحلتهم في البحث عن توافقات وتحالفات، ومن ثم سيعودون للتغريد ضمن السرب في نهاية المطاف”.

ويضيف للجزيرة نت أن العمل البرلماني في هذه الدورة سيكون مختلفا بكل المقاييس، وذلك لتضافر مجموعة عوامل؛ أبرزها وجود ممثلين عن قوى معارضة للنظام السياسي بأكمله، وهي قوى تحمل إرادة قوية لتغيير المعادلات السياسية التقليدية، ويصادف ذلك تآكل تلك المعادلات وتداعيها، وتحولات كبيرة في الساحتين الإقليمية والدولية، وفق تعبيره.

أما بشأن أولوياتهم، فيرجّح الحمداني أنهم سيعملون على محاربة الفساد، لكن نجاحهم في هذه المهمة مرهون بالعديد من العوامل، أهمها شكل الحكومة المقبلة وتوازناتها.

ويرى أن من المبكر جدا الحكم على تجربتهم وتوقع مستقبلها أو انعكاساتها على الانتخابات المقبلة، ولكن جمهور تشرين موجود، وهو من فئة عمرية شابة ستكتسب حق التصويت على نحو أوسع بعد 4 أعوام، ومن ثم ستكون هذه الفئة ممثلة برلمانيا بطريقة أو أخرى، بغض النظر عن أداء النواب الحاليين.

وعن ثمار هذه التجربة، يعتقد الحمداني أنها ستضيف روحا ودماء وأفكارا جديدة، فـ”التشرينيون” ملتصقون بجماهيرهم وقريبون من أفكار الشباب وأحلامه، وهذا سيمثل عامل ضغط وضبط لأداء هذه القوة، وستفيد وتحسن الأداء البرلماني بوجه عام.