حي باربيس الشهير الذي يقع في المقاطعة الـ18 من مقاطعات باريس الـ20 ظل عالماً غامضاً وملتقى للمهاجرين الجزائريين الباحثين عن فرص عمل في العاصمة الفرنسية. في حي باربيس، يمكنك الحصول على كل شيء، من فرصة عمل بدون أوراق رسمية، ومن إمكانية العمل في المتاجرة بالممنوعات والحصول على الأموال بطرق غير مشروعة.. إنه حي يضج بالصخب في الليل والنهار.
ومخرج فيلم “باربيس: جزائر صغيرة”، حسن غويرا، لم يغامر كثيراً باختياره هذا الحي الصاخب لتصوير أحداث فيلمه الجديد، وهو يعرف هذا الحي جيداً لأنه عاش مع عائلته في باربيس وقد مر بمرحلتي المراهقة والشباب هناك، قبل أن ينتقل للعمل لأكثر من 30 عاماً كمستشار صحافي لمعظم الأفلام المشاركة في مهرجان كان السينمائي.
وقال غويرا لـ”العربية.نت” عن هذا الحي والفيلم: “لقد تجولت في الحي وفي شوارع باربيس التي كنت أعرفها، وبدأت في التقاط الكثير من القصص الصغيرة. والشخصية الرئيسية في فيلمي تشبهني كثيراً، وبالتالي يمكننا التحدث عن مزيج من الخيال والواقع”، مضيفاً: “أنا سعيد لاكتشاف باربيس من جديد باعتباره حياً لكل الجزائريين الباحثين عن مستقبل أفضل بالعمل والتعليم والرعايا الاجتماعية رغم الصعوبات”.
وتدور أحداث الفيلم حول شخصية مالك، الذي يؤدي دوره الممثل سفيان زورماني، وهو رجل أعزب في الأربعينات من عمره انتقل للتو إلى حي مونمارتر، وسرعان ما يستقبل في بيته ابن أخيه المراهق رياض الوافد حديثاً من الجزائر، والذي يقوم بدوره الممثل خليل غريبة. ويكتشف الرجلان معاً حي باربيس، أو “حي الجالية الجزائرية النابض بالحياة”، وذلك على الرغم من أزمة كوفيد، ويلتقيان أبناء الحي ويختلطان بهم ليعرفا مشاكلهم اليومية ويصبحا جزءا منهم.
ويضطر بطل الفيلم للدفاع عن نفسه ضد تجار المافيا الذين يعملون خارج القانون، رغم أن مالك لا يشبههم، فهو متعلم ولديه منزل وأصدقاء وكان يراقب حالات العنف والسرقات والاحتكاك مع الشرطة.. لكنه يتحول بعد حادثة موت ابن أخيه رياض بعد تعرضه لحادثة طعن من أحد أصدقائه.
هذا الفيلم يركّز على إظهار الأخوة الجزائرية والتضامن والمساعدة المتبادلة في زمن جائحة كورونا حيث يشارك مالك في جمعية للمساعدات الغذائية، ويبذل جهده لمساعدة المهاجرين غير الشرعيين.
ينجح الفيلم في التوفيق بين لحظات الحزن ولحظات الفرح بمهارة، مما يجعل التجربة غنية ومتنوعة. كما أنه يعكس إمكانات السينما الجزائرية التي تكتسب جودة سنة بعد سنة بفضل الممثلين الموهوبين بشكل متزايد. فيلم “باربيس، جزائر صغيرة” هو دليل على أن هذا الجيل الجديد من الممثلين مستعد لصنع أفلام كبيرة ومختلفة.
وكان أداء الممثل خالد بن عيسى رائعا، فهو ينجح في إضفاء لمسة من الفكاهة تخفف من كمية الحزن، وخاصةً بعد موت رياض. كما أن سفيان زرماني، المعروف باسم فيانسو، يثير الإعجاب أيضاً وقدّم شخصية معقدة ومحبوبة في نفس الوقت، مما يمنح الفيلم بعداً إضافياً. هذا الفيلم كل العاملين به أبطال، إذ قدموا شخصيات حقيقية من واقع حي باربيس الذي تعيش فيه عوالم الجزائر بكل تفاصيلها.