رأي الكتاب
المعيار المفقود في وجود السوداني بالبيت الأبيض

الكاتب: كرم نعمة

حاول رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني احياء مفاهيم سقطت ميتة بعد أسابيع من ولادتها جراء احتلال العراق، صنعها جورج بوش ومعه سيء الذكر دونالد رامسفيليد في “الحرب تجلب الحرية” وقبلهما كوندريزا رايس عن مفهوم “الرعب الأخلاقي” التي ينبغي للإدارة الأمريكية أن تبثه عن خطر العراق.
وهو يتحدث في مقاله الدعائي الذي كان بمثابة خدمات صحافية مدفوعة الثمن في مجلة “فورين أفيرز” قبيل زيارته إلى واشنطن، جرد السوداني بهشاشة متعمدة، الحرية من تعريفها التاريخي عندما زعم أن الولايات المتحدة جعلت من العراقيين يتذوقون للمرة الأولى طعم الحرية، وجعلت منهم شعبًا حرًا بعد احتلال بلدهم.
كان السوداني يعتقد في استخدام تعبير “العلاقة الاستراتيجية” مع الولايات المتحدة، في نفس المقال بالمطبوعة المرموقة! سيمنحه ما أطلق عليه مايكل نايتس “المعيار الذهبي” الذي أدخله أخيرا إلى رواق البيت الأبيض.
فالسوداني أراد أن يظهر في البيت الأبيض بمظهر الشخص القوي ذي التأثير الإيجابي لتنفيذ سياسة التخادم الأمريكي الإيراني دون أن يغضب أي من الطرفين. لكن الواقع الحالي المخزي، وفق نايتس مؤسس منصة “الأضواء الكاشفة للميليشيات” هو أن “السوداني لم يتم تعيينه إلا بعد أن استولى القضاء المسيس على انتخابات العراق للعام 2021 لصالح الإطار التنسيقي الذي تقوده عصابة من الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران”.
مع ذلك لا يصعب على القراءة الواقعية أن تفند مفهوم “العلاقة الاستراتيجية” بين العراق والولايات المتحدة الذي لجأ إلى استخدامه السوداني كخيار مُرضي للقبول به في الولايات المتحدة بدورة رئاسية جديدة، فشكل تلك العلاقة محكوم حتى الآن بالاعتبارات العسكرية، ومن خلال التدخل العسكري وحده، وهو خيار لم يتراجع بالنسبة لواشنطن كدولة محتلة للعراق، ذلك ما كشف عنه بيان الزيارة الرسمي، أي أن الولايات المتحدة جعلت من نفسها الطرف الذي يعتقد أنه قادر على الحل، كما تجعلها تشعر أنها بمثابة المالك للأرض العراقية. ذلك ما قامت به واشنطن قبل أشهر قليلة في قتل الميليشياوي مشتاق طالب السعيدي “أبو تقوى” في بغداد من دون أن تعود للسوداني وحكومته.
لم يتمخض الكثير من الجانب الأمريكي بشأن الزيارة، دع عنك تصريحات السوداني التي لا تثير أي مراكز الدراسات وهي تقرأ مستقبل العلاقة، فليس كافيًا أن نتأمل الصورة الفوتوغرافية لوجود السوداني على الأريكية الزهرية في البيت الأبيض كي نرى أن العلاقة تحمل هذا اللون الربيعي! فالطريق إلى الديمقراطية التي تذرعت واشنطن بفتحه في احتلال العراق لم يترك غير الاشلاء والدماء والفساد وتسويق بضاعة سياسية فاسدة. أو بتعبير المؤرخ العسكري والكاتب البريطاني ماكس هيستنغز “الغرور الأخلاقي رذيلة محبطة للثقافة الغربية بمجرد تذكر مزاعم احتلال العراق”.
في كل الأحوال كان السوداني في واشنطن لشراء مسحوق غسيل سياسي يساعده للبقاء أربع سنوات أخرى في المنطقة الخضراء، لكن واشنطن لا تجد في عالم اليوم من يؤكد صلاحية ما سيأخذه السوداني معه عند العودة إلى بغداد!