رأي الكتاب
القصف الإعلامي على أدمغة الأحياء، وما بعد الانتخابات العراقية

كتب / سمير عادل

نتائج الانتخابات جاءت بما خطط له التيار المناهض للنفوذ الإيراني في العراق، وحقق الكاظمي المهمة التي أُوكلت إليه. إلا أن ما لم ينته إلى الآن هو القصف الإعلامي المتواصل على أدمغة جماهير العراق، لإقناعها بمسألتين؛ الأولى هي الترويج للكذبة التي أطلقها الكاظمي نفسه كي يصدقه الآخرون كما قال وزير إعلام هتلر “اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون” بأنه حقق مطالب انتفاضة تشرين/أكتوبر وهي تنظيم انتخابات مبكرة، والمسألة الثانية إعادة الثقة والهيبة والاعتبار للعملية السياسية التي ترنحت إثر عاصفة الانتفاضة عبر إثبات شفافية الانتخابات وحصر كل إرادة الجماهير بساحر قادم من الفضاء ومتسلح بلباس الرجل الحديدي سموه بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والصندوق الانتخابي.

انتهت الانتخابات في العراق، وليس مهما إن كانت نزيهة أو المقيمين عليها من المرتشين، شفافة أو لا ترى بالعين المجردة، لأن الآليات التي وضعت للعملية الانتخابية سواء كمرشحين أو مشاركين في التصويت، يجب أن تكون محصلتها، الحفاظ على العملية السياسية ونظام الفساد وقانون المحاصصة وحماية مصالح الطبقة البرجوازية حديثة النعمة، التي تشكلت بعد الغزو والاحتلال.

فمجرد ذكر حقيقة واحدة يمكن الاستشفاف دون عناء ماهية الرجل الحديدي والعملية الانتخابية برمتها التي لا نريد أن نخوض فيها كثيرا، وهي أن النسبة المشاركة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات متناقضة مع تقارير الاتحاد الأوروبي والمنظمة الأممية ووسائل إعلام عالمية مثل واشنطن بوست وإندبندنت والعديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والتي كانت تشير حتى الساعة السادسة من مساء إغلاق صناديق الانتخابات بأن نسبة المشاركة لم تتجاوز 30 في المئة في أقصى حالاتها، وهناك محافظات لم تصل حتى نسبة المشاركة فيها إلى 12 في المئة مثل كربلاء على سبيل المثال حتى الساعة الثانية من بعد الظهر. إلا أن الأمر ليس متوقفا عند هذه الحقيقة، فيجدر بنا الذكر أن نسبة المشاركة في انتخابات الأحد متقاربة جدا مع نفس النسبة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات لعام 2018 التي وصلت إلى 44.4 في المئة، مع فارق واحد، فلقد اكتشف بقدرة قادر وبعد ثلاث سنوات ونصف عجاف وتحديدا قبل أيام معدودة، أن الانتخابات 2018 كانت مزورة وأنهم ألقوا القبض على أحد أعضاء المفوضية بتهمة تزوير الانتخابات المذكورة.

وكلمة عابرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات: فهي لم تكن أبدا مستقلة، وتأسست حسب نظام المحاصصة، وتعتبر أحد المفاصل الأساسية في النظام السياسي القائم، وأحد العتلات الرافعة للعملية السياسية وصمام أمان للحفاظ عليها واستمرارها. وإن عملية رفع نسبة المشاركة في كل انتخابات وخاصة عندما تكون مقاطعة الجماهير لها كبيرة هي جزء أساسي من واجباتها ووظيفتها ومن أجل إضفاء الشرعية على الانتخابات وكل العملية السياسية، التي رفضت النسبة العظمى من جماهير العراق المشاركة فيها. وهنا لا بد من ذكر هزلية مشهد الرجل الحديدي أي مفوضية الانتخابات، وهي إذا قبلنا بتزوير نسبة المشاركة كواقع حال أي 41 في المئة، فإن نسبة 59 في المئة رفضت الانتخابات ورفضت كل العملية السياسية. لكن لا تأخذ بها، لأن الديمقراطية ليس بمقاطعة الأكثرية المطلقة لصناديق الانتخابات ووضع علامة استفهام عليها، إنما تأخذ بعين الاعتبار نسبة المشاركة أيا كانت أرقامها في يوم المشاركة في صناديق الانتخابات وحسب الآلية التي تضعها بحيث لا تخرج عن نطاق سيطرتها وتؤمن استمرار العملية السياسية.

المهمة التي أتمها الكاظمي على أكمل وجه كما عبر عنها يوم الانتخابات، وبشكل عملي هي نقل السلاح المنفلت من ميليشيات تحالف فتح الموالي لإيران إلى ميليشيات التيار الصدري التي قال زعيمها في كلمة النصر “يجب أن ينتهي السلاح المنفلت بعد اليوم”، أي أن سلاحه المنفلت الذي حماه الكاظمي ولقبه بسيد المقاومة وغض الطرف عن كل جرائم القبعات الزرقاء على متظاهري ساحة الحبوبي والتحرير وأم بروم والعروسين.. إلخ، لا يحتاجه أي السلاح المنفلت بعد الانتخابات، فلذلك دعا مقتدى لحصر السلاح بيد الدولة بعد إتمام مهمة الإجهاز على بؤر انتفاضة أكتوبر وإطفاء جمراتها وترهيب معارضيه لعبور مرحلة الانتخابات.

والمشهد الذي يحاول الكاظمي وبرهم صالح والحلبوسي ومعهم مقتدى الصدر ترويجه بأن نتائج الانتخابات أحدثت تغييرا كبيرا، فإن أقل ما يقال عنه بأنه تسويق لسذاجتهم السياسية. فإذا ما تتبعنا خارطة نتائج الانتخابات، فإنها حقا تثير الضحك. وللوهلة الأولى تبين نتائج الانتخابات بشكل خادع بأن التيار الميليشياوي الموالي لإيران خسر مقاعده ونفوذه السياسي، والذي يعني انحسار النفوذ الإيراني. بيد أنه وبالنظر إلى كل اللوحة فان أبطال التيار الميليشياوي تغيرت مواقعهم ومناصبهم ليس أكثر. لننظر إلى هذه اللوحة؛ المقاعد التي حصدها التيار الصدري هي 75 مقعدا بدلا من 54 في انتخابات 2018، بينما حصد التحالف الميليشياوي وهو فتح 16 مقعدا بعد أن كان 47، في حين كان المالكي أو دولة القانون يحظى بـ25 مقعدا والآن ارتفعت حصته إلى 37 مقعدا. وكي تكتمل الصورة فيجب إضافة ما أحرزه تحالف فتح إلى 37 مقعدا التي أحرزها المالكي لتكون حصيلة مقاعدهم 53 مقعدا.

والمالكي كما هو معروف يعد مؤسس الخطاب الطائفي الثاني بعد عام 2011، ولقب نفسه بمختار العصر وأنه مثل الحسين في معركته مع خصومه من التيار القومي العروبي ومعارضيه الذين سماهم بأنصار اليزيد، وأسس ميليشيات الحشد الشعبي وقبلها أخرج قيس الخزعلي من السجن ليوعز له بتشكيل ميليشيا عصائب أهل الحق وعقد مؤتمره في مدينة الموصل وكانت أول رسالة ميليشياوية طائفية، وشكل ائتلاف أو تحالف البناء من كل الميليشيات الولائية، لتختار متهما بجريمة موصوفة لرئاسة حكومتها وهو عادل عبدالمهدي. بمعنى آخر انتقل مركز قيادة تحالف الميليشيات من هادي العامري في انتخابات 2018 إلى نوري المالكي في هذه الانتخابات، أي انتقلت دفة قيادة الميليشيات الولائية إلى الجناح المدني للميليشيات. بمعنى آخر اكتسب المالكي زخما جديدا في هذه الانتخابات وأصبح لاعبا بدلا من العامري. وفي المحصلة النهائية أن كل جماعات الفساد والميليشيات أعيد إنتاجها من جديد. وما خسرته ميليشيات فتح ذهب إلى التيار الصدري ودولة القانون، ليتعاقب نقل البندقية أو السلاح المنفلت كما يحلو لهم أن يسموه من كتف إلى كتف. وهكذا يستمر المشهد السياسي ولكن هذه المرة لصالح النفوذ الأميركي الذي ربح جولة في هذه الانتخابات، ويشكل الحكومة كما شكل التحالف الميليشياوي الموالي لإيران حكومة عبدالمهدي في انتخابات 2018. وإذا ما أحسن التيار الموالي لأميركا استغلال انتفاضة أكتوبر وركب على أكتافها وقام بتجيير نزعتها المعادية لسلطة الإسلام السياسي لفرض التراجع على النفوذ الإيراني، فليس أمام التيار الميليشياوي الموالي لإيران إلا الفوضى الأمنية لربح جولة في تشكيل حكومتها.

ويستمر القصف الإعلامي، حيث يشحذ الهمم وخاصة من أصحاب الأقلام المأجورة، ويحلق بعيدا إلى مناطق لم يطلها القصف الإعلامي لكذبة الكاظمي عن الانتخابات، بتسويق تصور بشأن نزاهة الانتخابات وفرصة المشاركة فيها التي أوصلت كلا من فاعلي ونشطاء الانتفاضة إلى البرلمان، مستشهدا بحركة امتداد التي حصدت 9 مقاعد.

ما يقال عن حركة مثل امتداد وحصولها على 9 مقاعد وبأنها انتصار لانتفاضة أكتوبر وأنها بيضت وجهها أو انتصرت لدماء وتضحيات المنتفضين، فهو أمر يشبه كذبة الكاظمي إذا لم تكن أكبر منها، عندما تبجح بأنه حقق مطالب انتفاضة أكتوبر وهي الانتخابات المبكرة. فحركة امتداد تأسست على أكتاف الانتفاضة وبدعم مرجعية النجف والكاظمي، وقدمت لها كل أشكال الدعم المالي المفتوح والسياسي والحماية الأمنية لتنقل أفرادها. أي أن حركة امتداد هي امتداد لإيقاع الحفاظ على العملية السياسية وليس لها أي رابط لا من بعيد ولا من قريب بمطالب انتفاضة أكتوبر مثلما هو حال الكاظمي ومستشاريه الذين عيّنهم من عدد المشاركين في الانتفاضة، وخصص لهم رواتب ومعاشات سرقت بموجب الورقة البيضاء وتخفيض سعر العملة المحلية على حساب فقر وجوع وعوز الملايين من العاطلين عن العمل.

القصف الإعلامي لحكومة الكاظمي وصل إلى نهايته وسينتهي معه الغبار الذي أحدثه، وسوف يزول الحاجز الذي وضعه أمام الجماهير كي يمنعها من رؤية الحقيقة، حقيقة الكاظمي الذي راهن على التيار الصدري لإعادة اختياره رئيسا للوزراء. وستكشف الأيام القليلة القادمة عما وراء كذبة الانتخابات، وتبين أن كل ما جرى لم يكن أكثر من لعبة تغيير توازن القوى باسم الجماهير وباسم الانتفاضة، ومسعى لإنقاذ العملية السياسية ومحاولة لترويض الجماهير. إلا أن ما لا تراه الطبقة البرجوازية من حديثي النعمة بسبب صراعها على السلطة والنفوذ والانشغال بالغنائم أو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أن عدم مشاركة الجماهير في الانتخابات يعني حقيقة واحدة، أن العملية السياسية فشلت ولا اعتراف بها بالرغم من محاولة إعادة الهيبة والشرعية لها، وأن التغيير لن يكون عبر الآليات التي وضعتها هذه الجماعات الفاسدة بل يأتي عبر طريق آخر، وأن استحقاق الملايين من المحرومين لم تحلّ ساعته، وواهم أو مأجور من له مصلحة في بقاء هذا النظام الفاسد باعتبار أن التغيير لن يأتي عبر صناديق انتخابات صممتها نفس الطغمة الفاسدة.