رأي الكتاب
الرابحون والخاسرون تحت قبة البرلمان

الكاتب / سمير داوود

نتاج ماكنة السياسة في العراق لا مفر منه، هو واقع لحالٍ تفرضه المحاصصة والمنفعية في توزيع المناصب وتقاسم

الحصص بين الأحزاب والنخب الحاكمة، وهذا ما تعوّد عليه العراقيون الذين بات لا يشغلهم مَن وكيف ومتى يجلس المسؤول على كرسي الرئاسة.
وفي مشهد قاتم يفضح رداءة البضاعة التي أنتجتها تلك الماكنة السياسية، أثيرت الصدمة حول ترشيح الشخصية المثيرة للجدل محمود المشهداني لرئاسة مجلس النواب العراقي بديلاً عن الحلبوسي المُقال. المشهداني كان أول رئيس للبرلمان العراقي بعد الغزو الأميركي للعراق من عام 2006 إلى 2009، وخرج من قبة البرلمان مُقالاً من منصبه بعد سلسلة من تصريحات وأحاديث أثارت جدلاً واسعاً واستعرت نيران الانتقادات الحادة له حين وصف البرلمان “بالتافه” وأعضائه “بالعملاء”، وها هي المنظومة السياسية التي رفضته تُعيد انتخابه لنفس الكرسي الذي غادره، مما زاد في الانقسام الشيعي، يرافقه تشتت في المواقف بالجانب السني الذي يراه صفحة جديدة من تحالف جديد يبرز بين الحلبوسي، الذي يقاتل من أجل إبعاد المنصب عن أي شخصية من أهالي الأنبار لضمان سطوته وعدم خروج نفوذه من مركز السلطة التشريعية، وبين رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي تعتقد بعض الأطراف الشيعية ومنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الباحث عن ولاية ثانية قد تجعل من اختيار المشهداني لمنصب رئيس البرلمان العراقي استقواءً لنفوذ المالكي ويُحيل تلك السلطة إلى حصته، وهو ما تخشاه بعض الأطراف داخل الإطار التنسيقي من هيمنة المالكي على البرلمان من خلال صديقه المشهداني الذي أنتجته مواقف الحلبوسي رفضا لترشيح سالم العيساوي مرشح بعض الأطراف المناوئة له من محافظة الأنبار. الصفقة تتضمن دعم المالكي لمرشح حزب “تقدم” الذي يرأسه الحلبوسي والمقرب من إيران محمود المشهداني مقابل التنازل عن منصب محافظ بغداد الذي كان من حصة “تقدم” في الانتخابات المحلية الأخيرة واستحوذ عليه ائتلاف دولة القانون. المفارقة أن ائتلاف المالكي الذي وجد في السن القانونية الوظيفية لمحافظ بغداد عذرا للإقالة، لم يجد ما يحول دون تسلم محمود المشهداني الذي يبلغ من العمر 75 عاماً رئاسة مجلس النواب. لعبة السياسة عندهم تخبرنا أن ميل الحلبوسي إلى المشهداني ليس قناعة به، بل نكاية في منافسيه وأولهم العيساوي الذي ترشحه بعض الأطراف في الأنبار بديلاً لرسم خارطة سياسية جديدة في المحافظة. أما بالنسبة إلى المالكي فلا زالت خيوط اللعبة تدار بطريقة إن فاز المشهداني كان بها، وإن لم يفز فإن محسن المندلاوي الذي يُدير المجلس بالإنابة سيبقى رئيسا للبرلمان حتى انتهاء الدورة التشريعية.الاستياء من بعض القوى السنية والشيعية ربما يجعل من صفقة ترشيح المشهداني صعبة في جلسة اختيار رئيس البرلمان، إلا إذا حدثت تطورات في الوقت الضائع تجعل الكفة تميل لمرشح تسوية يجمع كل الأطراف. محمود المشهداني الذي لا تفرق بين هزله وجدّه حين وصف من يمثلون النخب السياسية الحالية بأنهم “مقاولو تفليش” ليرسم صورة مخيفة للسلطة عندما قال عنهم إنهم تلاعبوا بمصير العراق وحكموه بقسوة لا ترحم، يُعاد استنساخ تجربته السابقة وكأن السلطة تخبر شعبها أن لا بديل عن هذه الوجوه التي يُعاد تكرير إنتاجها.الكل سيربح من تلك الصفقة فلا يوجد خاسر في اللعبة سواء تم التصويت أم لا، ويبقى الخاسر الوحيد الذي لا صوت له هو الشعب العراقي